ضحايا سقوط السيستم في مصر.. من فوضى حجز الشقق إلى طوابير البريد

فوجئ المواطن محمد مهاب حسن، وهو موظف وأب لأسرة صغيرة، بتجربة مريرة حين حاول التقديم على وحدة سكنية ضمن مشروعات الدولة في صيف 2025.

جلس مهاب منذ الصباح الباكر أمام جهاز الكمبيوتر، وقد أعد أوراقه كاملة ووفّر المبلغ المطلوب كجدية حجز.

كان يتصور أن الأمر لن يستغرق أكثر من دقائق قليلة عبر الموقع الرسمي لبنك التعمير والإسكان.

لكن ما حدث كان صادمًا، فبعد إدخال بياناته بعناية، تجمدت الشاشة فجأة، وظهرت أمامه رسالة غير منطقية: “جميع الوحدات تم حجزها”.

لم يصدق عينيه، فكيف انتهى الحجز بهذه السرعة بينما لم يمضِ سوى ساعة واحدة على فتح الموقع؟ أعاد المحاولة مرات ومرات، لكن النتيجة لم تتغير.

على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك علّق مهاب على منشور لصفحة بنك التعمير والإسكان معبرًا عن غضبه وحيرته قائلًا: “إحنا ما عرفناش نحجز أصلًا، وكل الشقق أخدوها التجار، قدمنا شكاوى في كل حتة ومحدش عبّرنا”.

أزمة عامة تتكرر

لم يكن مهاب وحده في هذه المعاناة، بل جلست آلاف الأسر أمام شاشات الكمبيوتر في العاشر من أغسطس 2025، تنتظر فتح الموقع الإلكتروني لحجز وحدات مشروعات “جنة مصر” و”سكن مصر” و”الإسكان الحر” التابعة للدولة.

لكن لم تمضِ سوى ساعة على بدء الحجز حتى انهار النظام الإلكتروني تمامًا، وتعطلت الروابط، لتظهر رسالة موحّدة وصادمة للجميع: “جميع الوحدات تم حجزها”.

وبينما حاول المواطنون استيعاب الصدمة، تكرر السيناريو ذاته في التاسع من سبتمبر 2025 عند طرح 10,599 وحدة في مشروع “ديارنا” المخصص للإسكان المتوسط، وكأن الجهة المسؤولة (وزارة الإسكان) لم تتعلم شيئًا من الفشل الأول.

اتضح ذلك عندما نشرت صفحة “خبر ومعلومة من وزارة الإسكان” التابعة للوزارة على موقع فيسبوك في 12 سبتمبر إعلانًا عن إتاحة شقق للحجز في تمام الساعة 6:18 مساءً على موقع بنك التعمير والإسكان، لكن فوجئ المواطنون عند الحجز بظهور رسالة: “هذه الوحدات تم حجزها منذ الساعة 3:03 ظهرًا”.

الغضب على السوشيال ميديا

على منصات التواصل الاجتماعي، عبّر المتضررون عن غضبهم وسخريتهم في آن واحد.

فقد كتب أحد المعلقين: “بنك الإسكان مش عارف يجيب خبراء يظبطوا الموقع… كفاية فشل بقى”.

بينما نشر آخرون صورًا تثبت أن البنك أعلن عن طرح وحدات جديدة في السادسة مساءً، رغم أن الموقع كان يؤكد أنها “محجوزة منذ الثالثة عصرًا”.

تدخل حكومي

تسببت الأزمة في تدخل من وزير الإسكان، المهندس شريف الشربيني، الذي أعلن عن تشكيل فريق عمل مختص لبحث جميع الشكاوى.

كما وجّه بضرورة رد قيمة جدية الحجز بالكامل للمواطنين الذين لم يتمكنوا من الحصول على وحدة سكنية، وذلك دون أي خصومات أو تأخير، ضمانًا لحقوقهم.

لكن ما حدث مع مشروع “ديارنا” لم يكن سوى جزء من سلسلة أزمات صنعتها عبارة واحدة باتت تطارد المصريين في حياتهم اليومية: “السيستم واقع”.

أزمات في قطاعات أخرى

في القاهرة والجيزة والقليوبية، وجد المواطنون أنفسهم عاجزين عن صرف حصصهم التموينية الشهرية.

إذ يقف أحد المواطنين أمام ماكينة الصرف، يهز رأسه أسفًا ويقول: “الشبكة وقعت”.

أما أصحاب المعاشات، فقصتهم أكثر مرارة، ففي مكتب بريد دسوق بكفر الشيخ، افترش المئات الأرض وانتظر رجال ونساء مسنّون ساعات طويلة في طوابير بلا نهاية.

المشهد نفسه تكرر أمام فروع بنك ناصر الاجتماعي بالقاهرة، حيث لم يجد المئات سوى خمسة ماكينات صرف آلي، نصفها يتعطل سريعًا والنصف الآخر يفرغ من النقود. وزارة التضامن من جانبها بررت الأعطال بأنها مشكلات تقنية.

الأزمة بلغت ذروتها في قطاع التعليم، ففي أول أيام امتحانات “التيرم الأول” لأبناء المصريين بالخارج، تعطلت المنصة الإلكترونية تمامًا.

النتيجة كانت كارثية فلم يتمكن 92,718 طالبًا من أصل 582,852 (أي نحو 16%) من أداء الامتحان، لتضيع شهور من التحضير بلا مقابل.

فيما اكتفت وزارة التعليم ببيان مقتضب يعترف بحرمان الطلاب من الامتحان دون خطة واضحة للتعويض.

تكلفة التحول الرقمي

هذه الإخفاقات تأتي رغم الاستثمارات الضخمة التي خصصتها الحكومة بين عامي 2021 و2025، والتي تجاوزت 50 مليار جنيه مصري، تم خلالها مد 30 ألف كيلومتر من الألياف الضوئية، ورفع نسبة الخدمات الحكومية المقدمة عبر الإنترنت إلى 65% بحلول منتصف 2025 مقارنة بـ20% فقط عام 2019.

كما أعلن وزير الاتصالات الدكتور عمرو طلعت عن تنفيذ مشروع لرفع كفاءة الإنترنت باستثمارات 2.5 مليار دولار منذ 2018، مما أدى إلى ارتفاع متوسط السرعة 13 مرة خلال 6 سنوات، إضافة إلى تطوير 3,840 منفذ بريد.

ورغم ذلك، لا تزال مصر تحتل المرتبة 103 من أصل 193 عالميًا في مؤشر تطور الحكومة الرقمية (EGDI) الصادر عن الأمم المتحدة، خلف دول عربية مثل الإمارات (11) والأردن (100).

حقوق المواطنين

وفقًا لقانون حماية المستهلك رقم 181 لسنة 2018، يحق للمواطنين الحصول على شفافية كاملة في إجراءات الحجز، بينما يعاقب قانون الجرائم الإلكترونية رقم 175 لسنة 2018 كل من يتسبب في تعطيل أو تلاعب بالأنظمة المعلوماتية.

وتدعم المادة 62 من الدستور هذا الحق، مؤكدة على حق المواطن في الحصول على المعلومات والبيانات الرسمية.

الطريق إلى الحل

لتفادي تكرار هذه الأزمات، أصدر مجلس الشيوخ حزمة توصيات لتعزيز استراتيجية التحول الرقمي في مصر خلال العام الماضي، جاء على رأسها إعادة تصميم وتطوير الأنظمة الإلكترونية التي تقدم الخدمات الحكومية، بحيث تكون قادرة على استيعاب ملايين المستخدمين في نفس الوقت، مثلما تفعل شركات التكنولوجيا الكبرى.

إلى جانب البنية التحتية التقنية، يشدد خبراء على ضرورة تأهيل الكوادر البشرية عبر برامج تدريبية مستمرة، لضمان قدرة الموظفين الحكوميين على إدارة الأنظمة الرقمية بكفاءة، مشيرين إلى ضرورة إنشاء فرق طوارئ رقمية للتعامل مع الأعطال بشكل لحظي.

أضف تعليقك
شارك