أراضي الظهير الصحراوي.. صغار المزارعين في مواجهة الحكومة والمستثمرين يحصدون الأرباح

في صباح 22 أغسطس 2025، جلس عشرات المزارعين في ديوان عام محافظة أسيوط على أمل أن يجدوا حلولًا لأزمة تأخر تقنين أوضاعهم على الأراضي الصحراوية التي استصلحوها وأفنوا أعمارهم فيها، لكن المفاجأة جاءت حين أعلن المحافظ دراسة جديدة لطرح مساحات من أراضي الدولة بالظهير الصحراوي للإيجار عبر مزادات علنية.

هذا الإعلان، وفق روايات عدد من المزارعين الحاضرين، لم يُستقبل بالترحيب، لأنه يعني طردهم من الأراضي التي استصلحوها، في حال عدم تمكنهم من الفوز بهذه المزادات، وخسارة أراضيهم، بينما تُطرح الأراضي نفسها أمام مستثمرين كبار، بأسعار زهيدة ومزايا ضخمة.

إيجار مرتفع

لم يكتف المحافظ بهذا العرض الصادم، ليكشف المزارعون في شكوى جماعية، عن أن المحافظة اتبعت وسيلة أخرى لإخراجهم من الأرض، تمثلت في رفع قيمة إيجار الفدان من 3 آلاف جنيه إلى 22 ألفًا، ووصفوا ذلك بأنه “تطفيش مقنن”، خاصة في ظل ما قالوا إنه مماطلة رسمية في إنهاء أوراق التمليك.

المزارعون اعتبروا أن رفع قيمة الإيجار بهذا الشكل لا يهدد فقط استقرار آلاف الأسر، بل يفتح الباب أمام خروجهم من دائرة الإنتاج الزراعي، مشيرين إلى أن محافظات أخرى أبقت الإيجارات كما هي عند مستوى 3 آلاف جنيه، ما أثار تساؤلاتهم: لماذا أسيوط وحدها تتحمل هذا العبء؟.

تمييز فج

وفي نفس الشكوى، أكد المزارعون أن الشركات ورجال الأعمال يحصلون على الأراضي بأسعار زهيدة، ثم يعيدون بيعها بأضعاف مضاعفة، فضلًا عن حصولهم على دعم حكومي في الكهرباء والمياه والأسمدة. بينما يواجه المزارعون مشكلات ملوحة التربة وتراجع الإنتاجية دون أي دعم.

وأضافوا أن ما يحدث يمثل، من وجهة نظرهم، مكافأة لرجال الأعمال ومعاقبة لصغار المزارعين الذين ضحوا بسنوات من حياتهم في استصلاح الأرض.

طرد عشرات المزارعين

لم تكتف الجهات الحكومية بالإجراءات السابقة، لكنها سعت لطرد عشرات المزارعين من بعض المناطق مثل منطقة الوادي الأسيوطي، التي بدأ المزارعون في استصلاحها منذ عام 1981 مع صدور القانون رقم 143، الذي أعطى واضعي اليد على الأراضي الصحراوية حق التملك بشرط زراعتها، حينها توجه أبناء القرى القريبة من الصحراء الشرقية في أسيوط لاستصلاح الأرض.

لكن الوضع تغير قبل سنوات، حين صدر قرار جمهوري بإنشاء مدينة أسيوط الجديدة، بعدها بدأ جهاز المدينة يطالبهم بترك أراضيهم بدعوى ضمها إلى كردون المدينة، لينشر المزارعون مؤخرا شهاداتهم عبر صفحة “الوادي الأسيوطي” على موقع فيسبوك.

أحد المزارعين قال: “شقيت وضاع عمري في الغربة عشان أرجع أعمر أرضي، والنهاردة الجهاز بيهددني ياخدها مني”.

وأوضح مزارع آخر: “الحقيقة إن جهاز مدينة أسيوط الجديدة هو اللي بيتعدى علينا زرعنا 3500 فدان من أكتر من 40 سنة”.

بينما أكد ثالث: “إحنا زرعنا من 1981 قبل ما يكون فيه مدينة أو جهاز، وبنطالب بالمعاينة على الطبيعة وتقنين أوضاعنا بالقانون”.

قرية منشأة الجمال

المشهد نفسه تكرر في محافظة الفيوم، ففي عام 2023 فوجئ 1600 مواطن من قرية منشأة الجمال، على أطراف طريق “القاهرة – أسيوط” الصحراوي، بإقامة جهاز “مستقبل مصر” التابع للقوات المسلحة ساترًا ترابيًا أغلق الطريق المؤدي إلى أراضيهم. ووفق شهاداتهم، مُنعوا من دخول مزارعهم ومواشيهم التي تُركت بلا ماء أو طعام.

الدكتور فريد، أحد المتضررين، أوضح أنه بدأ استصلاح أرضه قبل 30 عامًا من خلال جمعية الفيوم الجديدة التعاونية، لكن الجهاز، بحسب قوله، لم يكتف بالأراضي التي استردها من شركة كويتية سابقة، بل بدأ في ضم أراضي الجمعية أيضًا.

فريد أضاف أن الجهاز عرض عليهم التوقيع على تنازلات مقابل عقود إيجار جديدة، ومن يرفض يُمنع من دخول أرضه وتُقطع عنه المياه والأعلاف، وهو ما أدى إلى نفوق بعض المواشي.

المزارعون المتضررون بالقرية قالوا إن جمعية الفيوم الجديدة تأسست وفقًا لقانون 316 لسنة 1956، وحصلت عام 1989 على تخصيص من وزارة الزراعة لاستصلاح 3000 فدان، لكن في أكتوبر 2024 فوجئوا بنزول معدات تابعة لجهاز “مستقبل مصر” إلى أراضيهم، رغم امتلاكهم مستندات رسمية من محافظة الفيوم.

وأكدوا أنهم تلقوا تبريرات متناقضة، منها أن الأرض تابعة لمحافظة الجيزة، رغم أن مستنداتهم تثبت تبعيتها لمحافظة الفيوم. وذكروا أنهم رفعوا شكاوى إلى مجلس الوزراء وهيئة أملاك الدولة والأمانة العامة للقوات المسلحة، دون تلقي أي ردود واضحة.

تكلفة باهظة

وحول تكلفة الاستصلاح، أوضح وزير الزراعة، علاء فاروق، في مداخلة هاتفية ببرنامج “90 دقيقة” على قناة المحور، أن تكلفة استصلاح الفدان الواحد تتجاوز 300 ألف جنيه.

وفي لقاء آخر ببرنامج “على مسئوليتي” في مايو 2024، صرح المهندس محمد جمال غريب، رئيس شركة مودرن فارمنج للاستثمار الزراعي، أن تكلفة استصلاح الفدان تتراوح بين 100 و500 ألف جنيه.

كما نشرت “المجلة المصرية للاقتصاد الزراعي” في سبتمبر 2020 دراسة للباحث د. إيهاب مريد، أوضحت أن التكاليف الاستثمارية لفدان الاستصلاح في مركز البداري بأسيوط بلغت 188,578 جنيهًا، وهي الأعلى مقارنة بمراكز الفتح ومنفلوط وديروط، التي تراوحت بين 71,576 و103,353 جنيهًا.

المساحات المستصلحة

وبالرغم من التقصير الحكومي، يواصل المزارعون وشركات القطاع الخاص جهودًا فريدة لاستصلاح الأراضي الصحراوية، في محاولة لتعويض ما يفتقدونه من دعم رسمي وإجراءات واضحة.

وخلال عام (2023/2024)، بلغ حجم المساحات المستصلحة من الأراضي في مصر نحو 610 آلاف فدان، مقارنة بـ 416.6 ألف فدان في العام السابق، بحسب التقرير الصادر في أغسطس 2025 عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وساهم المزارعون وشركات القطاع الخاص — عبر تكوين شركات صغيرة تحصل على أراضٍ من (شركة الريف المصري التابعة لمجلس الوزراء التي تتولى تخصيص الأراضي للشركات) وأعضاء الجمعيات التعاونية الزراعية — في استصلاح 485 ألف فدان من إجمالي المساحة المستصلحة، بينما لم يساهم القطاع الحكومي المتمثل في جهاز مشروعات الخدمة الوطنية سوى في استصلاح 124.2 ألف فدان فقط.

استحواذ خليجي

ومع ذلك، تأتي خطوة استحواذ الشركات الكبرى على نحو 450 ألف فدان، عبر 14 عملية استحواذ، لتضيف بعدًا آخر للأزمة، وعلى رأس هذه الشركات شركة جنان الإماراتية، المستحوذة على 150 ألف فدان في مناطق مختلفة، وشركة الظاهرة الإماراتية، المالكة لما يقرب من 120 ألف فدان، وشركة الراجحي السعودية التي استحوذت على 100 ألف فدان من مشروع توشكي في جنوب مصر

قوانين متلاحقة

بحسب نصوص القوانين الرسمية، بدأت الدولة بتنظيم وضع اليد عبر القانون 143 لسنة 1981، ثم صدر القانون 144 لسنة 2017، وبعده القانون 11 لسنة 2024 الذي وقّعه الرئيس عبدالفتاح السيسي ومنح المستثمر الأجنبي لأول مرة حق تملك الأراضي الصحراوية، حيث تغطي الأراضي الصحراوية في مصر مساحة تقدر بحوالي 905.000 كيلو متر مربع.

وهو القانون الذي أثار تخوفًا في صفوف نواب المعارضة، حيث رفض النائب عاطف المغاوري، عضو مجلس النواب، ورئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع – أثناء مناقشة الموضوع – مشروع القانون قائلًا: “نشرع للأجيال المقبلة، و90% من أراضي مصر صحراوية، وبهذا القانون يعني التصرف في 90% من أراضي الدولة المصرية”.

وفي 2025 صدر القانون 168، الذي يهدف إلى تنظيم إجراءات التصرف في أملاك الدولة الخاصة لواضعي اليد الذين استصلحوا الأراضي أو بنوا عليها قبل 15 أكتوبر 2023، حيث نص على إزالة التعديات بالطريق الإداري، وأجاز للجهة الإدارية التصرف في الأراضي بالاتفاق المباشر مع واضع اليد بعد موافقة وزارة الدفاع.

تناقض دستوري

ينص الدستور في مادته رقم 29 على أن تلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها وتجريم الاعتداء عليها، وتخصيص نسبة من الأراضي المستصلحة لصغار الفلاحين وشباب الخريجين، وحماية الفلاح والعامل الزراعي من الاستغلال. وينص القانون رقم 37 لسنة 1951 على منع غير المصريين والأجانب من تملك الأراضي الزراعية والقابلة للزراعة والصحراوية.

 

 

 

أضف تعليقك
شارك