لماذا تتحول جولات مسؤولين في مصر لسباق إهانة للمواطنين!

 
في أيام متقاربة، تتكرر مشاهد تكاد تكون متطابقة في مصر، ضابط أمن مركزي ينهال بالضرب على عامل بارك أمام نادي القضاة بالعجوزة، محافظ يأمر مدير مدرسة بخلع نظارته احترامًا له أثناء جولة تفقدية، وزير تعليم يُهين مدير مدرسة بألفاظ عنيفة ليموت بعدها بأيام بسكتة قلبية، محافظ يوبخ طبيبة أمام الكاميرات في مستشفى، وضابط يقتحم مستشفى قويسنا ويعتدي على الممرضات.
 
هذه الوقائع، على اختلاف أطرافها وأماكنها، ليست مجرد انفعالات فردية أو حوادث معزولة. بل هي انعكاس مباشر لثقافة سلطوية راسخة ترى المواطن، أيًا كان موقعه، تابعًا في مرتبة أدنى، ووسيلة لتأكيد الهيبة أمام الجمهور، حتى لو كان الثمن كسر كرامته على الملأ.
 
تتحول الزيارات المفاجئة إلى مسرح للاستعراض، لا لتقييم الأداء أو تحسين الخدمات. وجود الكاميرات ـ سواء كانت تابعة للإعلام الرسمي أو هواتف الحاضرين ـ لا يردع هذه الممارسات، بل أحيانًا يُستدعى عمدًا لتوثيق “لحظة الحزم” وإرسال رسالة مفادها أن السلطة حاضرة وقادرة على ضبط كل شيء، حتى لو كان ذلك بإهانة من يفترض أنهم شركاء في تقديم الخدمة العامة.
 
تكرار الحوادث عبر وزارات ومحافظات مختلفة يؤكد أننا أمام نمط متجذر في بنية النظام، لا تصرفات شاذة.
 
فالمسؤول الذي يرى في الإهانة وسيلة فعالة لضبط الأمور يعرف مسبقًا أن سقف المحاسبة منخفض، وأن أي مساءلة ـ إن حدثت ـ ستبقى شكلية ومؤقتة لامتصاص الغضب الشعبي. هذا الغياب لآليات الردع المستقرة يجعل من الإهانة العلنية أداة حكم غير معلنة، لكنها فعالة في إعادة إنتاج علاقة السيد والتابع بين الدولة ومواطنيها.
 
غياب وسائل الضغط القانونية والاجتماعية والإعلامية على ممارسي هذه السلوكيات العنيفة التي تهين الوطن قبل المواطن، رسّخت من تجذر هذه الممارسات في مجتمعنا حتى أصبح المجني عليه يرضخ في غالب الحالات إما للصمت أو التنازل أو الصلح وقلّما نسمع عن حالة تم فيها محاسبة أو إقالة المسؤول خاصة لو كان أحد العسكريين.
 
بعد ذلك كله ماذا تبقى للمواطن وأين كرامته؟ إنّ المواطن الذي يشاهد أو يتعرض لإهانة من مسؤول، يفقد جزءًا من ثقته في أن الدولة حامية لحقوقه. هذا المناخ يخلق دوامة من الخضوع، تُعيد إنتاج نفسها على مستويات المجتمع كافة، في بيئات العمل والمدارس والشوارع، حيث يستنسخ الأفراد منطق القوة في تعاملهم مع من هم أضعف.
 
وفي قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة، الإهانة العلنية تترك آثارًا مباشرة على معنويات العاملين، فتدفع الأكفاء إلى الانسحاب أو الهجرة، وتترك المجال فارغًا أمام من يقبلون العمل في بيئة لا تضمن الاحترام المتبادل. وهكذا، يتضرر المواطن العادي مرتين: مرة حين يُهان بنفسه، ومرة حين يضعف مستوى الخدمات نتيجة هروب الكفاءات.
 
المسألة في جوهرها ليست عن مشهد إهانة هنا أو هناك، بل عن طبيعة العلاقة التي ترسمها السلطة مع شعبها.
 
السؤال الذي يفرض نفسه: هل نحن مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون، أم رعايا في دولة تدار بعقلية السيد والعبد؟
 
 
أضف تعليقك