مفارقات مؤسفة: صواريخ مصريّة لحماية إيلات!

 تسعى كلّ الدول تقريبًا في عالَمنا المعاصر بشتّى الوسائل لحفظ حقوقها في الأراضي التّاريخيَّة الَّتي تعتبرها جزءًا منها، ولو لم تكن خاضعة لسيادتها الفعليَّة، بما في ذلك الموارد العابرة للحدود وليس الأراضي فقط.

 لقد نشأت معظمُ الصراعات الحدودية المعاصرة على أنقاض الاستعمار الغربي الذي رسَّم الحدودَ القوميَّة بين الدول، قبل الاستقلال الكلّي، بناءً على معايير غير مضطردة، لم تخل من النوازع الشخصيَّة لعرَّابي الترسيم والتقسيم، ومحاباة أطراف على حساب أخرى.

 على سبيل المثال وليس الحصر، نجد مناوشات مستمرّة بين إيران والإمارات على عدة جزر إستراتيجية هي طنب الكبرى والصغرى وأبي موسى تعود إلى عام 1971. كما تتنازع تركيا واليونان على تفسير القانون البحري الدولي وملكيَّة جزر في بحر إيجة لأسباب اقتصاديَّة وأمنيَّة. حتَّى أثيوبيا، فإنها تستند في صراعها على ملفّ الموارد المائية العابرة للحدود مع دولتي المصبّ على ما تصفه بعدم مشروعيَّة استمرار الاتفاقات التاريخية التي تورّطت بها إبّان حقبة الاستعمار البريطاني.

 فلا تكاد توجد دولتان قوميّتان في عالَم اليوم إلا وتتنازعان، بحق أو دون وجه حق، على الموارد الحدودية من أراض وطاقة ومياه وثقافة، لأسباب تتعلق معظمها بملابسات تأسيس تلك الدول في ثوبها الحديث، ودور الاستعمار الغربي في ترك بعض الملفّات دون إغلاق، والقاعدة الرئيسية أنّ الكل يستميت دفاعًا عما يقول إنه حقّه!

ما علاقة مصر؟

 في مارس 1949، إبّان اتفاقية الهدنة بين مصر الملكيَّة الواقعة تحت احتلال الإمبراطورية البريطانيَّة، وإسرائيل المعترف بها للتوّ دوليًا من الأمم المتحدة، والَّتي وقعت في جزيرة رودس اليونانيَّة؛ قامت إسرائيل بخرق الهدنة والنفاذ إلى أقصى الجنوب نحو البحر الأحمر، ووضعت يديها بالقوَّة على أم الرشراش المصريَّة.

 على الخريطة المعاصرة، يمكن ملاحظة أنَّ هناك “مثلّثًا” صغيرًا شديد التقارب يشرف على البحر الأحمر، أحد أضلاعه من جهة اليمين هو خليج العقبة الأردني، ومن جهة اليسار والجنوب طابا التي استردتها مصر بصعوبة بالغة من إسرائيل بالتحكيم الدولي بعد اتفاقية السلام 1979، بينما تقع أم الرشراش المصريَّة “إيلات“ أعلى رأس الهرم.

 ووفقًا للخبير العسكري المصري البارز إبراهيم شكيب، والذي أعدّ بحثًا علميًا عسكريًا عن هذا الموضوع اعتمد فيه، بتصريحٍ من المشير الجمسي، على وثائق من كنوز دار المحفوظات في هيئة البحوث العسكريَّة المصريَّة، فإنَّ إسرائيل خرقت الهدنة حينئذ وسارعت للسطو على تلك القرية المصرية ضمن عملية “عوفيدا”، برعاية أمريكيَّة فاجأت الإنجليز أنفسهم، لوضع قدمٍ لها على البحر الأحمر، ولضمان إطلالة تشرف على جزيرتي تيران وصنافير الإستراتيجيتين.

 من أم الرشراش إلى إيلات

 على الفور، قامت إسرائيل في نفس العام بوضع الأسس الهندسيَّة لمطار إيلات الجوّي، والَّذي تبعه لاحقًا تدشينُ ميناء إيلات البحري، الَّذي من خلاله كسرت إسرائيل النسق العربيَّ للبحر الأحمر، حيث بات ينتهي عندها شمالًا، وأصبح بمقدورها التجارة، استيرادًا وتصديرًا مع المراكز الصناعيَّة جنوب شرق آسيا في الصين والهند، دون المرور بقناة السويس.

 في الوقت الحالي، تمتلك إسرائيل 3 موانئ، يقبع اثنان منهم على البحر المتوسط، هما حيفا شديد الأهميَّة الإستراتيجيَّة وأشدود، إلى جانب ميناء إيلات في البحر الأحمر، على مسافةٍ وجيزة من الأراضي الأردنيَّة والمصريَّة، وقد عضدت تواجدها في إيلات بإنشاء مطار جديد في المدينة عام 2019 تحت اسم “رامون” لتخفيف الضغط عن مطار بن غوريون الرئيسي في تل أبيب.

 يؤكّد حسني مبارك، الذي حكم مصر 30 عامًا وشارك في حرب أكتوبر، على مصريَّة إيلات تاريخيًا، فيقول نصًا في تسريب له من داخل إحدى المستشفيات قبل وفاته، إنه لوَّح للقيادة الإسرائيليَّة بفتح ملف “أم الرشراش” المحتلَّة، إذا لم تقبل بنتيجة التحكيم الدولي الذي أقرَّ بمصريَّة طابا، وهو ما جعل الإسرائيليين يذعنون على الفور، خلال ساعة فقط على حدّ وصفه.

 ما الجديد؟

 ما استجدّ أنّ الأطراف اليمنيَّة الَّتي دخلت على خطِّ إسناد غزَّة عبر إعاقة الملاحة من جنوب البحر الأحمر إلى إسرائيل، ردًا على الحصار الإسرائيلي لغزَّة، قامت أيضاً بتوجيه عدة ضربات جويَّة بالمسيَّرات والصوّاريخ نحو أم الرشراش التي احتلتها إسرائيل من مصر، ما أدّى إلى تعطيل شبه كلي (نحو 85٪ بحلول ديسمبر) لطاقة الشحن في الميناء.

المؤسف أنّ قوّات الدفّاع الجوّي المصريَّة تولّت هي الأخرى، بتاريخ 16 ديسمبر 2023، الدفاع عن إيلات المحتلة من الهجمات الجويّة اليمنيَّة، حيث قامت في هذا التاريخ بإسقاط ما قالت قناة “القاهرة الإخبارية” إنه “جسم جوّي” قادم من جنوب البحر الأحمر، كان في طريقه إلى إيلات، وهو عمل مشابه لما قامت به الدفاعات الجوية الأردنية التي أعاقت هجوما جويًا على إيلات من العراق.

 بحلول 2016، كانت مصر قد خسرت النافذة الثانية الإستراتيجية لها على البحر الأحمر، فبعد أن احتلت إسرائيل إيلات بـ 70 عامًا، منح السيسي السعودية جزيرتي تيران وصنافير، ضمن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، ليصبح لدى السعودية نقطة تماسّ أيضاً مع إسرائيل، تفتح الباب أمام التطبيع من جهة الجغرافيا السياسية.

 شاركنا رأيك: كيف ترى صد مصر الهجوم على إيلات؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أضف تعليقك
شارك