امتدادًا لفقدانه التمتع بأغلب حقوقه الدستورية والإنسانية، أصبح المواطن المصري لا يمتلك حق أن يكون المالك الوحيد لرقمه القومي “البطاقة الشخصية”. ففي المرحلة السابقة من جمع توكيلات الانتخابات الرئاسية، وُثقت العديد من الشهادات التي تبين كيف ينتهك الحق الدستوري للمواطنين فيما يتعلق ببطاقاتهم الشخصية، وبالتحديد في مادتين دستوريتين، الأولى هي المادة 50 بقانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994 والتي تُوجب على المواطن إبراز بطاقته الشخصية لمندوب السلطة فقط في حالة طلبها منه عند الاشتباه به، والثانية هي المادة 73 من قانون الأحوال المدنية والتي تعاقب أي شخص يستخدم بطاقة شخص آخر بالحبس مدة سنة أو غرامة 500 جنيه، وهو ما ضُرب به عرض الحائط لجمع مليون و300 ألف توكيل لترشيح السيسي لفترة رئاسية جديدة.
صُبيان المقاهي
في أحد مقاهي حي السيدة زينب العديدة، تواصلت “أحوال مصرية” مع صاحب مقهى، حيث أوضح إجراءً يعتبره روتينيًا يحدث كلما اقتربت الانتخابات سواء برلمانية أو رئاسية، فقسم الشرطة المختص بالحي يرسل أحد معاوني المباحث للمرور على المقاهي بـ”نوتة وقلم” لتدوين أسماء العاملين فيها وإحصاء أعدادهم، حيث يقدم له “مِعلم” القهوة تلك المعلومات، ويكون مسئول أمامه عن حشد هذا العدد ببطاقاتهم الشخصية في يوم الانتخابات، أو عند الحاجة لهم لإجراء توكيلات رئاسية للرئيس ليُجدد ترشحه.
يُوضح صاحب المقهى أن جزاء من يتخلف عن هذا “التمام الميري” هو ملاقاة العقاب من “البلدية” التي تستهدف مقهاه وفرشة كراسيه خارج المقهى على الدوام، وعلى كل حال نادرًا ما يتخلف أحد. ولا يبدو هذا الموقف خاصًا بحي السيدة ومقاهيه فقط، فالأمر كثيرًا ما يتكرر في نطاق القاهرة وأحيائها المكتظة بالمقاهي مثل باب الشعرية وشبرا.
“هاتوا الكرتونة”
يعد المواطنين المُسجلين في برنامج “تكافل وكرامة” ومبادرة “حياة كريمة” التي تنخرط فيها 45 ألف جمعية خيرية على مستوى الجمهورية، فئة أخرى من “الغلابة” المُجبرين على الخضوع إلى السادة المسئولين الذين يمدونهم بالطعام والشراب والأموال بشكل رسمي وقانوني، ولكن حين يتعلق الأمر بالانتخابات وإجراء التوكيلات الرئاسية يخضع هؤلاء المواطنين وبشكل غير قانوني إلى الابتزاز من أجل تقديم بطاقاتهم الشخصية لجمع توكيلات للسيد الرئيس أو انتخابه أو انتخاب أحد مرشحي حزب “مستقبل وطن” في الانتخابات البرلمانية.
لقد رصدت عدسات الكاميرا في معركة التوكيلات الأخيرة العديد من الحالات التي حُشد فيها هؤلاء البسطاء أمام مقرات الشهر العقاري، وجُمعت منهم بطاقاتهم الشخصية، ونظرًا لأمية بعضهم فمن المُسلم به أن الموظف في الشهر العقاري قد قام بمليء الاستمارة بالبيانات التي يريد. ولعل أبرز المشاهد التي سُجلت وأصبحت مثار للسخرية هو مشهد إحدى السيدات الطاعنات في السن التي تتساءل عن “كرتونة الزيت والسكر” بعدما غنت لمصر!
جيش المدرسين والموظفين
في بعض الأحيان يُضغط على القطاع الخاص أيضًا، يروي أحد العاملين بمصنع للحلويات في المنطقة الصناعية بالسادس من أكتوبر “لأحوال مصرية” ما حدث من جمع بطاقات العاملين بالمصنع بحجة تحديث “السيستم” بالتزامن مع فتح باب جمع التوكيلات الرئاسية، والغريب في الأمر أن تلك البطاقات جرى تسليمها لأحد معاوني المباحث على مرأىً من جميع العاملين.
وبالإضافة إلى البلطجة في جمع بطاقات العاملين في القطاع الخاص، تسيطر الحكومة على جيش يُسهل حشده في أي وقت من المُوظفين الحكوميين، خاصة العاملين بوزارة التربية والتعليم. وقد رُصدت وقائع تهديد بالفصل التعسفي لعدد من العاملين بالقطاع الحكومي ممن رفضوا تسليم بطاقاتهم لعمل توكيلات رئاسية للسيد الرئيس.
تتكرر تلك المشاهد مع انطلاق الانتخابات الرئاسية، في الوقت الذي تنتشر فيه الحملات الإعلانية الحكومية التي تحُذر المواطنين وكبار السن والأميين خاصًة من الإفصاح ببيانات بطاقاتهم الشخصية لأي شخصٍ كان.
شاركنا تجربتك: هل تعرف شخصا تعرض للإجبار على عمل توكيل للانتخابات أو تسليم باقته الشخصية؟