العمال في مصر: حق الإضراب الممنوع

الإضرابات العمالية هي أحد أشكال الاحتجاج السلمي التي يستخدمها العمال لزيادة الأجور أو تحسين ظروف العمل أو رفع الظلم عن بعض زملائهم. وتعود جذور الحركة العمالية في مصر إلى القرن 19. وقد شهدت الحركة العمالية محطات رئيسية مثّلت نقط تحول في مسار الحركة، سواء إيجابا مثل إضراب عمال السجائر في ديسمبر 1899 الذي كان بداية تشكيل التنظيمات العمالية في شكلها الأَوَّلي، أو سلبا مثل قمع إضراب عمال كفر الدوار في 1952 وما تبعه من مرحلة طويلة من القمع للحركة العمالية.

من بين تلك المحطات الرئيسية للحركة العمالية في مصر، والذي مثل نقطة تحول فاصلة في مسار الحركة العمالية يبرز إضراب عمال المحلة الكبرى في ديسمبر 2006، إذ يمكن القول بأن ما قبله ليس كما بعده” حيث أوصل إلى أحداث إبريل 2008، وإثره تطورت الملامح والسمات التي لحقت بالاحتجاجات العمالية من حيث التدرج من الاعتصام ثم الإضراب ثم حدوث إضرابات مدة أطول ثم التدخل الأمني مصحوبا بقمع أحيانًا، ثم مفاوضات فتنفيذ المطالب، وصولا إلى لحظة يناير 2011.

حجم الإضرابات في مصر

تختلف حجم الإضرابات في مصر حسب الفترة الزمنية والظروف الاقتصادية، وبما أن عادة ما توثق الإضرابات من خلال التقارير الحكومية ووسائل الإعلام، فإن الأمر يزداد صعوبة في إيجاد توثيقات دقيقة بسبب عوامل كثيرة تؤثر على إصدار هذه التقارير منها تعليمات مباشرة للصحف والقنوات بعدم تغطية أي إضراب عمالي، وألا يتم الإعلان إلا عن الإضرابات الكبرى التي يستحيل التكتم عليها حسبما تؤكد منظمات معنية بالشأن العمالي.

ورغم ذلك، يجادل المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام “تكامل مصر” بحدوث أكثر من 213 إضرابا عماليا خلال آخر عامين، يتراوح حجم المشاركين فيها ما بين بضعة عمال وآلاف العاملين، ومن أبرزها:

  •   إضراب موظفي مكتب بي بي سي بالقاهرة للمطالبة بتحسين أجورهم، ووقف ما وصفوه بالسياسة التمييزية ضدهم فيما يخص السياسات المالية.
  •   إضراب عمال مصنع كريازي عن العمل بسبب التوزيع غير المتساوي للأرباح على العاملين، وهو ما قوبل بفصل بعض العمال.
  •   إضراب عمال مصنع يونيفرسال بسبب تأخر صرف الرواتب.
  •   إضراب عمال شركة “ماك” التابعة للشركة الأم “النساجون الشرقيون” فرع محافظة الشرقية بسبب ضعف الزيادة السنوية للأجور.
  •   إضراب آلاف العاملين بشركة “ليوني وإيرينج سيستمز” المتخصصة في إنتاج الضفائر الكهربائية للسيارات عن العمل؛ للمطالبة بتحسين أجورهم.
  •   اعتصام مئات العمال في مصنع شركة النصر للمسبوكات لعدة أيام، اعتراضا على تسريح أكثر من 2200 عامل بعد بيع المصنع، وقام الأمن بفض الاعتصام وإغلاق المصنع حتى إشعار آخر.
  •   إضراب عمال شركة الوبريات سمنود بمحافظة الغربية عن العمل، بسبب تخفيض المنحة الشهرية من 300 جنيه إلى 150 جنيها.
  •   اعتصام العاملين بشركة أسمنت قنا؛ احتجاجا على عدم تثبيت عقودهم وغياب الحوافز والعلاوات.
  •   قيام سائقي التاكسي في بورسعيد بوقفة احتجاجية أمام نقابة السائقين بسبب ارتفاع قيمة اشتراك التأمين الصحي الشامل، وتكاليف الترخيص والمخالفات والكارتة.
  •   إضراب أفراد الأمن والعاملين بمستشفى بلطيم بمحافظة كفر الشيخ؛ للمطالبة بتحسين الأجور والاستغناء عن عشرات العمال.
  •   اعتصام عمال شركة المصرية لإنتاج السترين بالإسكندرية بميناء الدخيلة؛ للمطالبة بتثبيتهم والحصول على حقوقهم القانونية من تأمين وخلافه.

امتدت الاحتجاجات على الغلاء من العمال في المصانع والشركات إلى طلاب الجامعات، حيث نظم العشرات من طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة مظاهرة؛ اعتراضا على زيادة المصروفات الدراسية، بسبب الانخفاض الكبير في قيمة الجنيه أمام الدولار الأمريكي.

مما سبق يتبين أن الإضرابات والاعتصامات لم تقتصر فقط على شريحة اجتماعية معينة، وإنما امتدت لفئات مختلفة، حيث شملت عمال وصحفيين وطلاب، مما يعبر عن عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعيشها البلاد.

أسباب الإضرابات العمالية

يواجه العمال في مصر عددًا من العوامل التي تجعل من بيئة العمل صعبة من أبرزها:

1- تدني الأجور في ظل تدهور قيمة العملة وارتفاع مستويات التضخم، ففي يناير 2023، قفز معدل التضخم السنوي الأساسي، بحسب البنك المركزي إلى 31.2% وهو أقل بكثير من الرقم الذي سجله مؤشر “جونز هوبكنز” الذي يقدر التضخم الحقيقي في مصر بنحو 101% مما يضعها في المرتبة السادسة من بين أسوأ 21 دولة على مستوى العالم من حيث ارتفاع المعدلات الحقيقية للتضخم.

2- الحقوق القانونية وما يتعلق بها من التشريعات العمالية التي تحرم قطاعات واسعة من حق التنظيم النقابي لأسباب مرتبطة بنظام التصنيف المهني الصادر عن وزير العمل، والذي حدد المهن المسموح لها الانتساب لنقابات، كما حدد عقود العمل وتثبيت العمالة، التأمينات الاجتماعية، تحديد ساعات العمل والإجازات السنوية والمرضية والرسمية وغيرها من القوانين التي تنظم ظروف عمل لائق.

3- عدم فعالية النقابات العمالية وندرة وجود كوادر حقيقية قادرة على متابعة حقوق العمال والضغط على الحكومة بشأنها.

كل هذه الظروف أدت إلى ضعف الأجور وتسريح بعض من قوة العمل وخوف أصحاب الأعمال على الدخول في التزامات قانونية مع العمال في ظل عدم اتضاح الرؤية الاقتصادية المستقبلية، هذا بخلاف الفساد الإداري والسياسات التعسفية من بعض أصحاب العمل في ظل ضعف تطبيق قوانين العمل والمحافظة على حقوق العمال، وهو ما انعكس على عدد الإضرابات وحجمها وانتشارها.

إشكالية توازن القوى بين الحكومة والعمال

لا يوجد توازن في العلاقة بين الحكومة والعمال في ظل غياب التنظيم النقابي الحر القادر على الضغط على الحكومة أو رجال الأعمال أو التعاون مع النقابات العمالية الرسمية لحل المشكلات وعدم تفاقم الأوضاع، خاصة وأن النقابات العمالية الرسمية موالية للحكومة.

كذلك تشرع القوانين داخل البرلمان الذي يغلب عليه تحالف المال السياسي ومصالح رجال الأعمال، فلا يوجد نواب حقيقيون عن العمال يعبرون عن ظروف طبقتهم وبالتالي يساهمون في تشريع قوانين ملائمة لهم، فمسألة غياب العمال تضرب منطقية القانون وقدرته على ضمان حقوقهم، بالإضافة إلى غياب المراقبين على تنفيذ القوانين، والضغط على رجال الأعمال في حال ممارستهم إجراءات تعسفية ضد العمال.

وعلى الرغم من صدور قوانين جديدة بخصوص حق الإضراب عن العمل إلا أنه مازال مقيدا، حيث يحظر القانون الإضراب في المنشآت الاستراتيجية والحيوية التي يصدر بتحديدها قرار رئيس الوزراء، وذلك على الرغم من صدور العديد من الأحكام القضائية التي نسخت هذه المادة مُعتبرة الإضراب حقّاً لجميع العمال من دون تفرقة بما فيها العمال في القطاعات الاستراتيجية في الدولة، وهو ما يخالف الاتفاقات الدولية التي صدقت عليها مصر في هذا الشأن.

أيضًا لا يحق للعمال الإضراب أو دخول مفاوضات جماعية، بسبب اشتراط القانون أن يكون ذلك عبر منظماتهم النقابية الرسمية، وهي بدورها موالية للحكومة كما أيضا أغفل المشروع الجديد وجود جدول زمني محدد يصدر فيه المجلس القومي للأجور قراراته بخصوص الحد الأدنى للأجور في ظل واقع اقتصادي سريع الوتيرة في معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة.

وعلى الرغم من القيود المختلفة المفروضة على العمال إلا أن مصر شهدت إضرابات عمالية كثيرة استطاع العمال خلالها فرض الإضراب كحق أساسي برغم ما واجهوه من ضغوط وتهديدات.

من جهتها تحاول الحكومة الحد من تطور ظاهرة الإضراب عن العمل، وقد تضمن التدابير المتخذة إجراءات قانونية، أو محاولات تفاوض مع العمال، وتقديم عروض محددة لهم لفض الاعتصام أو الإضراب، وكثيرا ما تتجاهل العروض وتلجأ لاستخدام التهديد والقوة.

وعلى الرغم من المصالح المتبادلة بين رجال الأعمال والحكومة، إلا أن أيضا أصحاب الأعمال يعانون نظرا للسياسات الاقتصادية التي تؤثر على استثماراتهم، مما يؤثر بالتبعية على العمال، وبالتالي تخشى الحكومة من تدحرج كرة الجليد وامتداد الإضرابات لأماكن أخرى ثم تحولها إلى احتجاجات شعبية، لذلك غالبا ما يتم التعامل معها سريعا لوقفها وتجاهلها إعلاميًا.

ختامًا: إن الحكومة تسيطر على المشهد العمالي، فهي المشرع والمنفذ والقاضي الوحيد على الساحة، في ظل غياب تنظيم نقابي حر أو منظمات مجتمع مدني حقيقية، بالإضافة إلى أن الوضع الاقتصادي العام يجبر العمال ضمنيًا على البقاء في الوظيفة حتى لو نظموا احتجاجات نظرا لارتفاع نسبة البطالة وعدم الحصول بسهولة على فرصة عمل أخرى، ومن ثم النظر إلى الإضرابات كمصادر ضغط قابلة للاحتواء. ولكن رغم ذلك نجح العمال والموظفون في تحقيق بعض مطالبهم في العديد من الإضرابات، وآخرها الاستجابة لعدد من مطالب موظفي مكتب بي بي سي في القاهرة. كذلك يظل دائمًا عنصر “المفاجأة” حاضرا، فقد لا يتمكن العمال من الصبر كثيرا، وتنفجر الطاقات المكبوتة بشكل مفاجئ لتعيد رسم خريطة المشهد في البلاد.

 

أضف تعليقك
شارك