التزايد في زيارة الأخصائيين النفسيين في مصر: موضة أم مشكلة حقيقية؟

برزت في الآونة الأخيرة، زيادة كبيرة في معدلات الإصابة بالاضطرابات النفسية، وتزايد عدد طالبي الاستشارات النفسية مما يطرح تساؤلًا هل التزايد في زيارة الأخصائيين النفسيين في مصر موضة أم مشكلة حقيقية؟

الفرق بين المرض النفسي والعقلي

في العلم النفسي لا يوجد خط فاصل بين الأمراض العقلية والنفسية لأن كلاهما يؤثر في الآخر، لكن حاول بعض المتخصصين أن يميزوا بينهما، فجادلوا بأن الأمراض النفسية منشؤها وظيفي وتنتج عن اضطراب وجداني يرتبط بالمشاعر والمزاج والنظرة للحياة، أما الأمراض العقلية أو العصبية فمنشؤها خلل في الجهاز العصبي المركزي، ولكن نتيجة التداخل بين النوعين وإمكانية تأثير كل منهما في الآخر دفع الأمر علماء النفس لإطلاق اسم “الاضطرابات النفسية” لتشمل الأمراض النفسية والعقلية.

إحصائيات حول الاضطراب النفسي في مصر

لقد أظهرت نتائج المسح القومي للصحة النفسية الذي أجرته وزارة الصحة في مصر عام 2018، أن 25% من المصريين يعانون من اضطرابات نفسية، الأمر الذي جعل من مصر إحدى الدول الأكثر تعرضا للاضطرابات النفسية من حيث نسبة المصابين بها، وقد وزعت الاحصائية هذه النسبة على ثلاث مستويات، حيث تأتي اضطرابات المزاج في المرتبة الأولى، وتحديداً الاكتئاب بنسبة نحو 44%، يليها الاضطرابات الناجمة عن تعاطي المواد المخدرة بنسبة 30%، ثم تأتي اضطرابات القلق العام والخوف في المرتبة الثالثة بنسبة 25%، وترتفع نسبة الاضطرابات النفسية بين النساء أكثر من الرجال.

في حين أن التقارير غير الرسمية تشير إلى أن نسبة الاضطرابات النفسية في مصر أكثر من ذلك وقد تصل إلى 50 %، ويرجع المتخصصون هذا التفاوت إلى الاختلاف في تحديد من يندرج تحت توصيف “المضطرب نفسيا”، حيث أن الجهات الرسمية تتوسع في تحديد المؤشرات الواجب وجودها في الاضطراب النفسي ما يؤدي إلى قلة عدد المصابين، بينما تحدد جهات أخرى سمات أقل تسمح بزيادة نسبة المصابين في المجتمع المصري. 

أسباب ارتفاع نسب الاضطراب النفسي في مصر
  •       دينية: تراجع الارتباط بالدين في مصر نتيجة القيود التي تفرضها السلطة الحاكمة مما أدى إلى تشويش مفاهيم الهوية والشعور بالاغتراب لدى الأفراد عن نفسهم ومجتمعهم، ولم يعد هناك مرجع واضح في أذهانهم يتمكنوا من خلاله تفسير الأحداث حولهم مما سبب في كثير من الأحيان اضطرابات خاصة ما تعرف بـ “اضطراب ما بعد الصدمة”، ولعل أحداث غزة بعد 7 أكتوبر 2023 وثبات أهلها رُغم الحرب العنيفة التي يتعرضون لها مثال على أن المرجع الديني مهم ليفسر الأمور غير المنطقية التي تحدث حول الأفراد، بل كان هذا الثبات النفسي الواضح دافع لبعض الأخصائيين النفسيين في الغرب إلى دراسة دوافع ومرجعية هؤلاء ليضيفوها إلى علمهم.
  •       سياسية واقتصادية: تعاني مصر حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي في الفترة الأخيرة، مما قد يتسبب في حدوث صدمات نفسية للأفراد، مثل فقدان الوظيفة أو تدهور الأحوال المعيشية، وكذلك المعاناة السياسية وما يخلفها من عدم القدرة على التعبير عن الآراء والاجبار على تقبل الأوضاع كما هي، هذا بخلاف المعتقلات وما تحويه من عدد كبير من المعتقلين والظروف القاسية التي يعانوها بالداخل.
  •       اجتماعية: يشهد المجتمع المصري تغيرات اجتماعية سريعة وعميقة، سواء بسبب مواقع التواصل الاجتماعي وما تركز عليه من سلبيات عديدة، وكثرة المقارنات مقابل تراجع قيمة الرضا، وأيضًا اتساع الفجوة بين الأجيال مما أدي إلى توترات وصراعات داخل الأسرة والمجتمع، وهذه التحولات قد تسبب مشاكل نفسية للأفراد وتزيد من حاجتهم للاستشارات النفسية.
  •       صحية: اختلفت نظم التغذية في الأجيال الجديدة والتي اعتمدت بشكل كبير على الوجبات السريعة وعدم الاهتمام بالمصادر الصحية، وكل هذا من شأنه التأثير على أداء المخ والجسم.
  •       عدوى السلوك: نتيجة الاتجاه المتسارع نحو فهم الصحة النفسية فأدى ذلك إلى نشر الوعي بين أوساط طالبي الاستشارات النفسية، مما ساهم في بحث أغلب الأفراد عن المساعدات النفسية لنفسهم حين الشعور ببوادر اضطراب، عكس قديمًا كان من الممكن أن يدخل الأفراد في اضطرابات متلاحقة دون أن يكون له وعي كافي عن ذاته يفسر له اضطراب مشاعره وسلوكه.
تداعيات الاضطراب النفسي

لا شك أن هذه الاضطرابات تترك آثارًا سلبية على الفرد والمجتمع، أبرزها:

  •       التأثير على الصحة العامة: الاضطرابات النفسية قد تؤثر سلبًا على الصحة العامة للأفراد، حيث تؤدي إلى ظهور مشاكل صحية جسدية ونفسية أخرى، مثل الأمراض المزمنة والإدمان.
  •       التأثير على الأسرة: تؤثر الاضطرابات النفسية على الأفراد والعلاقات العائلية داخل الأسرة حيث تؤدي إلى زيادة التوتر والصراعات داخل الأسرة، وتؤثر على العلاقات الزوجية وتربية الأبناء.
  •       تدهور الأداء الوظيفي: الاضطرابات النفسية قد تؤثر على علاقة الإنسان بنفسه والقدرة على التعامل مع الضغوط المختلفة، كما أن لها تأثيرا على جودة العمل والإنتاج ومن ثم يؤثر ذلك في الدخل القومي للبلاد.
  •       الانتحار: قد يكون للاضطرابات النفسية تأثير كبير على الأفراد، وقد يؤدي الإهمال وعدم العلاج إلى زيادة حالات الانتحار، وربط أطباء نفسيون ارتفاع نسبة المضطربين نفسيا بارتفاع نسبة المنتحرين، حيث كشفت تقديرات صادرة عن جهات رسمية أممية ومحلية تجاوز عدد المنتحرين في مصر سنويا 3000 شخص نصفهم تقل أعمارهم عن أربعين عامًا، وترتفع النسبة بين النساء أكثر من الرجال ينما تجاوز عدد محاولي الانتحار نصف مليون سنويا.

من المهم تعزيز الوعي العام بأهمية الصحة النفسية وتوفير المزيد من الخدمات والدعم النفسي في المجتمع، وفهم أبعاد المشكلة الحقيقية، والوقوف على حلول فعّالة قابلة للتطبيق، ومساعدة الأفراد على التعامل مع تحدياتهم النفسية بشكل صحيح.

 

أضف تعليقك
شارك