تُعد قناة السويس من أهم المصادر الرئيسية لتوفير الدولار في مصر، ومنذ سبعينيات القرن العشرين تأتي إيرادات قناة السويس من بين أكبر أربعة موارد للنقد الأجنبي بجانب عوائد التصدير وتحويلات المصريين العاملين بالخارج وإيرادات السياحة، ويُستخدم دخل هيئة قناة السويس في تمويل الموازنة العامة.
لقد سعى مشروع توسعة القناة الذي تبناه السيسي، بشكل أساسي إلى تعظيم إيرادات قناة السويس وزيادة الدخل القومي لمصر، ودائماً ما تُعرض الإيرادات التي تحققها القناة باعتبارها مكسبا كبيرا للمالية العامة للدولة العاجزة عن تدبير الدولار.
لقد بلغت إيرادات قناة السويس نحو 9.4 مليار دولار خلال العام المالي 2022/2023، لتصل إلى اعلى مستوى لها في تاريخها، فيما حققت القناة خلال الأعوام العشرة الماضية إيرادات مجتمعة تتخطى 65 مليار دولار. وبالرغم من أزمة شُح الدولار التي تُعانيها مصر والتي تدفعها إلى الإفراط في الاستدانة الخارجية بفوائد مرتفعة، فإن الإيرادات الضخمة التي تحققها قناة السويس لا تذهب كلها إلى الموازنة العامة، وهو ما سنفحصه.
مصروفات القناة تبتلع الإيرادات
عند النظر إلى إيرادات القناة في عام 2000، سنجد أنها حققت إيرادات بنحو 7.2 مليار دولار، بأرباح قُدرت بأكثر من 80% من دخلها، حيث بلغت المصروفات حينها 1.19 مليار دولار فقط، بنسبة 16.5% من إجمالي الإيرادات.
ومن المؤسف انه بعد مرور أكثر من عشرين عاماً لم تزداد الإيرادات كما كان مفترض أن يحدث، وبالرغم من شق تفريعة القناة التي كلفت مليارات الدولارات، سنجد أن القناة حققت إيرادات تتراوح ما بين 5 إلى 7 مليار دولار فقط خلال السنوات الماضية، باستثناء عام 2022.
إن المعضلة لا تقتصر على أن إيرادات القناة لم ترتفع طوال تلك المدة، إذ قفزت مصروفات القناة إلى مستويات قياسية، حتى أنها ابتلعت أكثر من نصف إيرادات القناة خلال الأعوام الماضية. وهو ما تكشفه موازنات القناة خلال الفترة بين 2011 إلى 2021، والتي تُظهر أن المصروفات تُشكل نسبة تتراوح بين 34% إلى 59.9% من الإيرادات التي تحققها القناة. حيث يستحوذ بند الأعباء والخسائر على أغلبية تلك المصروفات.
ما هي أسباب زيادة خسائر القناة؟
في عام 2014 أنفقت الحكومة المصرية على قناة السويس نحو 4 مليار دولار من الموازنة العامة للدولة من أجل حفر تفريعة القناة، ولجأت الهيئة إلى الحصول على قروض بقيمة 1.5 مليار دولار لتوفير السيولة المالية اللازمة لشق القناة خلال عام واحد.
تعاقدت الهيئة على شراء واستئجار معدات ثقيله من الخارج مثل الكراكات والحفارات التي جُلبت لتوسعة القناة، وهو ما ساهم في زيادة تكلفة الحفر، وكانت نتيجة ذلك زيادة الأعباء والخسائر، ومن ثم تراكمت مديونيات القروض على الهيئة، حتى أنها تخلفت عن سداد أقساط تلك القروض في نهاية عام 2017.
يعود السبب الثاني وراء زيادة مصروفات القناة، إلى خسائر الشركات المملوكة لهيئة قناة السويس، حيث تمتلك الهيئة 7 شركات تحقق خسائر قياسية في بند الأعباء والخسائر الخاص بالموازنة. فعلى سبيل المثال بلغت خسائر “شركة ترسانة السويس البحرية” نسبة 129% من رأسمالها، فيما وصلت خسائر “شركة القناة للحبال” 280% من رأسمالها، وبلغت خسائر “شركة الإنشاءات البحرية” نسبة 48.6% من رأسمالها في عام 2014، ومنذ ذلك الحين لا تتيح الهيئة معلومات عن هذه الشركات.
إن تلك الشركات تقترض بضمان هيئة قناة السويس، في نفس الوقت التي تحقق فيه خسائر ضخمة، وتتحمل القناة سداد هذه القروض.
الحلول المقترحة
من الضروري إعادة هيكلة تلك الشركات وإجراء دراسة فنية ومراجعة مالية لأدائها للوقوف على أسباب الخسائر، بهدف وضع خطط لمعالجتها، وتطوير أساليب عملها، ومساعدتها على الحد من الاقتراض وسداد أقساط القروض المتأخرة التي حصلت عليها أثناء حفر القناة، حتى لا تستمر في استنزاف نصف إيرادات القناة التي من المفترض أن تذهب إلى الموازنة العامة للدولة. وذلك مع مراعاة تجنب المقترحات الداعية لبيع قناة السويس أو تأجيرها لشركات أجنبية بهدف دفع ديون مصر. إذ تهدف تلك المقترحات لبيع أصول مصر السيادية، مما يجعلها رهينة لدول أخرى بالمنطقة.