قضايا تشابه الأسماء.. وصمة عار على جبين مزاعم التحديث والتحول الرقمي

أحمد، شابّ لديه من العمر 23 عامًا، من إحدى مناطق جنوب الجيزة، أنهى دراسته الجامعيَّة والخدمة العسكريَّة الإلزاميَّة عام 2020، ونجح في الحصول على وظيفة جيدة اجتماعيًا. من مسوّغات الالتحاق بها، شأن كل الوظائف النظاميَّة، الكشف عن صحيفة الأحوال الجنائيَّة الخاصة به، وهو إجراء روتيني مثل الكشف الصحّي وكعب العمل وطابعة التأمينات.

المفاجأة

ذهب أحمد مطمئنًا إلى وحدة الأدلة الجنائيَّة التابعة للقسم الخاص به، وإذا بأمين الشرطة يخبره أنّ “الفيش والتشبيه” الذي دفع الرسوم لاستخراجه به مشكلة، على الأرجح هي أحكام قضائيّة صادرة بحقه، ولم يتم تنفيذها، ومن ثمَّ عليه التصرُّف لأنه لا يمكنه استلام الوثيقة بشكل طبيعيّ، ومن الوارد أن يتمَّ توقيفه في إحدى النقاط الشرطيَّة أو الأكمنة أو اقتياده من المنزل، ومن ثمَّ تنفيذ تلك الأحكام ضده.

ارتعدت فرائص أحمد، فهو شابّ مجتهد حسن السيرة وأسرته طيبة ومستقرّة مشهود لها بسلامة السلوك؛ ما الأمر؟ لا بد أنّ هناك مشكلةً وخطأً ما!

استعانت أسرة أحمد بأحد المحامين المقربين منها، للتقصّي عن حقيقة الأمر؛ ليتبين له ولهم، أنَّ أحمد يتشابه اسمه الثلاثي مع مواطن آخر، من إحدى مناطق شمال الجيزة، وقد صدر بحقّ هذا المواطن أحكامًا قضائية بالحبس تخصّ الأسرة، ولكنَّ وزارة الداخلية، “المحوسبة” نظريًا تعاملت مع الشخصين كأنهما شخصٌ واحد.

كيف يحدث ذلك؟

يشرح تقريرٌ مدعوم بالوقائع منشور على موقع المنصة جذور هذه المشكلة القديمة، الّتي لا زالت مستمرَّة حتى كتابة هذا الموضوع، فيشير إلى أنّه بالرغم من وجود حزمة من القرائن المتعاضدة الّتي تميز المواطنين – الذين تتشابه أسماؤهم نظريًا – عن بعضهم البعض، مثل الصورة الشخصيَّة ومحلَّ السكن والرقم القومي واسم الأم وأدوات التحقق البايومترية مثل بصمات العين والوجه واليد؛ إلا أنّ وزارة الداخلية لا تزال تعملُ بطرق عفا عليها الزمن.

في معظم تخصصات الداخليَّة التي تتعامل مع المواطنين يوميًا بشكل خدمي أو أمني، يتمّ البحث عن المواطن فقط، باستخدام اسمه الثلاثيّ ما يعني أنّ يقوم الحاسب الآلي بتوليد تلقائي لكل أسماء المواطنين الذي يحملون نفس القالب الثلاثيّ، والصادر بحقهم أحكاما قضائيَّة، وهي طريقة تؤدي إلى توسيع دائرة الاشتباه إحصائيًا، وإلى إشاعة الذعر اجتماعيًا، وإلى الإساءة إلى مساعي التحديث الإداري، وإلى إرهاق المواطنين.

 

فبالرغم من أنّ وزارة الداخلية، لديها سجلَّات متكاملة، يتم تحديثها دوريًا عن المواطنين، تتضمن معظم قواعد البيانات الخاصة بهم، باستخدام الرقم القومي والقرائن الحاسمة الأخرى لتمييز الأشخاص، إلا أنَّ الأسلوب المتّبع في أكثر المواقع، مثل الأدلة الجنائية والكمائن الشرطيَّة والحبس الاحتياطي، لا زالت يعتمد على البيروقراطيَّة القديمة، وهو ما يقول محامون إنّه كثيرًا ما يكون مقصودًا لتحقيق أهداف ماديَّة واجتماعيَّة غير معلنة لدى الضباط.

باب المظالم 

يوثق التقرير المنشور في “المنصة” 3 حالات لمواطنين تعطلت حيواتهم ومشاريعهم المهنيَّة لفترات متباينة من الزمن، لحين سلوك طريق غير قصيرة، مكلفة ماديًا ونفسيًا، لإثبات أنَّ الشخص المطلوب فعليًا أمام القانون، ليس هو نفسه الشخص الذي تمَّ القبض عليه أو تعطيل حياته.

 كما يوثق تقرير آخر لموقع صحيفة “الشروق” حالةً لمواطن من قنا تمَّ احتجازه عاما كاملًا 2017 ما بين الأقسام والسجون المركزيَّة لتنفيذ حكم غير نهائي في قضية تخص أحداث ثورة يناير، ونظرًا للتهاون في تطبيق إجراءات التحري من الداخلية، وعدم قدرة أسرته ماديًا على توكيل محامٍ له، قضى الشاب تلك المدة، بغير جريرة، بينما كان المتهم الحقيقي، كما تقول سجلات حكومية أخرى، من مدينة السلام في القاهرة.

يساعد الترهل الإداري وعدم استيفاء مدونة تحرير المحاضر في أقسام الشرطة، كأن يتمَّ تحرير محضر لشخص ما بالاستعانة باسمه الثلاثي فقط دون ذكر باقي القرائن المميزة له، لأنَّ من حرر المحضر لم يستطع التثبت منها أو تكاسل عن توثيقها أو دونها يدويًا على نحو غير دقيق، في تفشّي تلك الظاهرة المخزية الطاعنة في الكفاءة وفي موثوقية العلاقة بين المواطن وجهاز الأمن.

بالنسبة لأحمد، الشابّ الذي فوجئ بأحكام تخص الأحوال الشخصية وقضايا الأسرة في وثيقة الحالة الجنائية الخاصة به، رغم أنه لم يتزوج أصلا؛ فإنه بالإضافة إلى الهلع الذي أصابه وأسرته حينها، فقد تكبد مبلغًا معتبرًا لشاب في مقتبل العمر، حوالي 3 آلاف جنيه، للحصول على “شهادة” تثبت أنه ليس مطلوبًا لتنفيذ أي أحكام! 

شاركنا رأيك: هل تعرف شخصًا تعرض لمثل هذا الموقف؟

أضف تعليقك
شارك