برنامج تكافل وكرامة: حقيقة حديث الدولة عن الإنجازات

سياق طرح البرنامج

وفقا لموقع وزارة التضامن الاجتماعي، فإن برنامج تكافل وكرامة هـو برنامج للتحويلات النقدية المشروطة الذي أطلقته الوزارة تحت مظلة برامج تطوير شبكات الأمان الاجتماعي1

البرنامج أُطلِق بعد عامين من إقرار مصر برنامج الإصلاح الاقتصادي الطموح للحكومة والذي كان شعاره “بالإصلاح الجريء.. هنقصر الطريق” في عام 2014، والذي تضمَّن إلغاء دعم منتجات الطاقة، واعتماد سعر صرف مرن، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة الجديدة، واقترن ذلك بجهود لتوسيع نطاق برامج الحماية الاجتماعية. 

وقد استهدفت تلك البرامج التخفيف من الآثار السلبية المحتملة قصيرة الأجل للإصلاحات على أشد شرائح السكان فقرا والأولى بالرعاية في مصر، أي إنه جزء من السياسات الاجتماعية المخففة لآثار الإصلاح الاقتصادي النيوليبرالي الذي تصر الحكومة على الدفاع عنه باعتباره الدواء المر. 

بدأ تطبيق برنامج الدعم النقدي، تكافل وكرامة، بشكل مرتبك، فبينما وُضعت مخصصات لتلك الإعانات في موازنة 2014/2015 لكن البرنامج لم يبدأ فعليا إلا نهاية تلك السنة المالية، بالرغم من الضغوط التضخمية التي عانى منها الفقراء خلال ذلك العام مع بدء التطبيق التدريجي لإجراءات تحرير أسعار الغاز والكهرباء والوقود.

أُطلق البرنامج بشكل موسع في ٢٠١٦، بناء على توصية لصندوق النقد الدولي ضمن الشروط الخاصة بالقرض الأكبر الذي وافق عليه الصندوق لمصر عام ٢٠١٦، وبدعم مقدم من قبل مجموعة البنك الدولي للإنشاء والتعمير قدره ٥٠٠ مليون دولار، كتمويل إضافي لمشروع تدعيم شبكات الأمان الاجتماعي في مصر2. 

لكن في الثالث من نوفمبر من نفس العام واستجابة لمشروطيات الصندوق الخاصة بتحرير سعر الصرف؛ انهار الجنيه من ثماني جنيهات إلى أكثر من ١٦ جنيها بالتوازي مع الاستمرار في خطة رفع الدعم الشامل للطاقة والخبز والسلع التموينية، ما أدى إلى تدهور حاد في الدخول الحقيقية للمصريين. 

في تقريره حول “تكافل وكرامة” بعد قرابة عامين من تطبيقه، يشير البنك الدولي إلى الآتي3

ينقسم برنامج تكافل وكرامة إلى جزأين، أو برنامجين فرعيين: 

 

  • في برنامج “تكافل”؛ يُقدم البرنامج دعما شهريا بقيمة ٣٢٥ جنيها مصريا للأسرة الواحدة، بهدف زيادة استهلاكها من الغذاء، والحد من الفقر، وفي الوقت نفسه تشجيع الأسر على إبقاء أطفالها في سن ٦ : ١٨ عاما في المدارس بنسبة حضور لا تقل عن 80% من عدد أيام الدراسة كشرط أولي لاستمرار الحصول على الدعم وتزويدها بما تحتاج إليه من الرعاية الصحية.
     وتحصل الأسر على دعم إضافي عن كل طفل، من الميلاد إلى 6 سنوات، قدره 60 جنيها، وعن كل تلميذ في التعليم الابتدائي (80 جنيه)، وكل طالب في المرحلة الإعدادية (100 جنيه)، وطلبة المرحلة الثانوية (140 جنيه)، ويُغطِّي البرنامج ثلاثة أطفال كحد أقصى للأسرة الواحدة، ويجري تجديد اعتماد المنتفعين من البرنامج كل ثلاث  سنوات. بلغ عدد المستفيدين من البرنامج قرابة ٨,٣ مليون حتى منتصف نوفمبر ٢٠١٨.
  • الشق الآخر من البرنامج “كرامة”: مخصص لحماية المواطنين الفقراء كبار السن فوق 65 عاما، والمواطنين المصابين بإعاقات وأمراض شديدة تمنعهم من العمل والكسب، وأيضاً الأيتام، ويحصل المواطنون الأولى بالرعاية على معاش شهري قدره 450 جنيها وبدون شروط.

    بلغ عدد الأسر المستفيدة بمعاش برنامج “كرامة” 306,016 أسرة (ما يعادل نحو 1,300,568 مواطنا). من بينهم 52,338 من كبار السن (17%) و252,338 من المعاقين (82%) ، و1,668 كبار السن ومعاقون (1%).


    شكل ١ برنامج تكافل


    شكل ٢ برنامج كرامة

  • تتولى وزارة التضامن الاجتماعي تنفيذ برنامج “تكافل وكرامة”، الذي يغطى حتى الآن 2.26 مليون أسرة أي ما يعادل نحو 9.4 مليون مواطن أو قرابة 10% من سكان مصر، من بينهم 1,998,280 أسرة تعولها نساء (88% من إجمالي كل الأسر)، و270,521 أسر يعولها رجال ( 12%)4.

 المفارقة: تزايد مخصصات البرنامج وتزايد معدلات الفقر!

بمراجعة التقارير الرسمية حول البرنامج، نلاحظ أنه وبعد قرابة عام وشهرين من تطبيقه، اتضحت المفارقات التالية:


شكل ٣: إنجازات تكافل وكرامة منذ بدايته حتى يناير ٢٠١٨

  • من الصورة أعلاه يمكن ملاحظة الارتفاع الكبير في أعداد الأسر التي تقدمت للحصول على الدعم الذي يقدمه البرنامج، مع ضعف الاستجابة لهذه الحالات، إذ من بين أكثر من ٥ مليون أسرة تم الاستجابة لحوالي ٢.٤ مليون أسرة فقط، بعدد أفراد ٩.٣ مليون شخص. 
  • تحوي التعليقات على هذا التقرير الموجز على صفحة الوزارة عشرات الإشكاليات الفنية التي ترتبط ببطاقات الصرف “الفيزا” وتأخر الاستلام ومشكلات أخرى، ورغم تسجيلهم بالبرنامج إلا أنهم يعانون من هذه المشكلات، بعضهم لشهور والبعض الآخر لسنوات.
  • يبدو أن هناك تناقضا وتضاربا كبيرا بين تصريحات الحكومة وتقارير البنك الدولي نفسه حول أعداد المستفيدين، فرغم التقارب الذي كان بين أرقام الحكومة وتقارير البنك المشار إليها أعلاه، قالت الحكومة في ٢٠٢٠ إن أعداد المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة خلال الفترة من 2015 حتى 2020 ارتفع إلى 3.6 مليون مستفيدا مقارنة بـ 63.880 مستفيد في 2015.  5

    وهنا يبدو أن الوزارة والحكومة تحاولان جمع برامج أخرى مثل برنامج الأسر الأولى بالرعاية، أو غيرها، من البرامج مع تكافل وكرامة، وكذلك برامج الحماية الاجتماعية الأخرى، لتحسين صورتها وأدائها في بعض المؤشرات. لكن هذا لا يغير كثيرا من واقع تزايد الفقر وتدهور الخدمات العامة جراء تخلي الدولة عن دعم بعض القطاعات الأساسية وخروجها منها استجابة لمشروطيات برامج الإصلاح الهيكلي.

    انتقادات موجهة للبرنامج

    على الرغم من الأهمية المفترضة للبرنامج في تخفيف تأثير التضخم والفقر للأسر المتلقية له، إلا أن العديد من أوجه النقد قد اعترت تطبيقه:

  • يضع البرنامج شرطا لاستحقاق الإعانة وهو أن لا يكون المتقدم للإعانة من العاملين بأجر منتظم في القطاع الخاص أو العام أو الحكومي (حتى ولو بدون اشتراك تأميني) بدخل شهري يعادل ١٦٠٠ جنيه للأسرة الواحدة المكونة من أربعة أفراد، وفي الوقت نفسه يشترط أن تكون حالة الأسر أو الأفراد المتقدمة تحت خط الفقر، وهذا يعني أنه يفترض ضمنا أن خط الفقر ٤٠٠ جنيه شهريا للفرد وهو رقم هزيل للغاية في ظل انهيار قيمة العملة والزيادة الجنونية لمعدلات التضخم منذ إطلاق البرنامج إلى الآن.
  • يحتوي البرنامج على خلل واضح في تعريف أبعاد الفقر والخلط بين فقر الدخل وفقر الملكية، بينما يُنتظر منه محاربة الفقر متعدد الأبعاد. لكن البرنامج يعتبر من موانع الاستحقاق أن:
    يمتلك الشخص نصف فدان فأكثر.
    أو يقوم باستئجار أرض زراعية فدان فأكثر.
    أو يمتلك أكثر من ثلاثة رؤوس مواشي فأكثر.
    أو يمتلك عقارا أو أكثر بخلاف السكن.
    أو يمتلك محلا تجاريا أو أكثر سواء مسجل أو غير مسجل.

    وهو بهذا يعتبر من يتوافر فيه أى من العناصر السابقة “غنيا” لا يستحق الدعم، بينما الكثير ممن ينطبق عليهم تلك البنود أو حتى كلها مجتمعة في الريف يعانون فقرا حادا في الدخل، إن لم تكن لديهم مديونيات كبيرة سواء للبنوك أو جمعيات التسليف والإقراض التي تزايدت بشدة في السنوات الأخيرة. 

  • كما أن البرنامج يتضمن شرطا آخر شديد الغرابة، إذ يعتبر السفر خارج البلاد بغرض العمل (قبل أو بعد القبول بالبرنامج) من موانع الاستحقاق، والإشكالية أنه لا يراعي نسبة كبيرة من العمالة المصرية التي تذهب لدول الخليج وتعود في السنوات الأولى سواء لأسباب صحية أو لخداع في التعاقدات من قبل شركات إلحاق العمالة بالخارج والتي تستغل جهل هؤلاء بالقوانين والأوضاع الاقتصادية في تلك البلاد.
  • بطبيعة الحال قد تكون بعض الشروط والأحكام السابقة منطقية نوعا ما إذا كانت قد وضعت قبل عام ٢٠١٦، لكن بعد التعويم المتكرر للعملة منذ نوفمبر ٢٠١٦ وتطبيق برنامج صندوق النقد الدولي وما ترتب عليه من قفزات في معدلات التضخم والفقر فإن غالبية هذه الشروط غير منطقية بالمرة.
  • يشير بعض الخبراء إلى أنه بعد عامين ونصف، إذا كان الفقر في ريف الصعيد انخفض إلى 51,6٪ مقابل 56,7٪، سواء بفضل البرنامج أو النشاط الأهلي، فإنه وفي المقابل قد ارتفعت نسبة الفقر في كل المناطق الأخرى في مصر، وزاد عدد الجوعى من ٥ مليون جائع عند بداية تطبيق البرنامج إلى ٥,٢ مليون مواطن، ويعزى ذلك إلى الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية الخاصة بالتقشف والتوقف التدريجي عن سياسة الدعم العمومي للطاقة والزراعة والتي كانت أسرع وأقسى.
  • إذا كان تطبيق مثل هذه البرامج للدعم النقدي يهدف لتقليل الفقر، فإنه، وبحسب البنك الدولي، فإن المؤشر العددي للفقر في مصر مقارنة بخط الفقر العالمي ١,٩ دولار، وهو مؤشر الفقر المدقع، ارتفع من ٠,٩٪ في ٢٠١٢ إلى ٢.٥٪ في ٢٠١٧ من إجمالي عدد السكان6.

    كما ارتفع مؤشر معدل الفقر، وفقا لخط الفقر الوطني، من ٢٧.٨٪ من السكان في ٢٠١٥ إلى ٣٢.٥٪ في ٢٠١٧، 7 أي بعد سنوات قليلة من تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الأعنف في تاريخ مصر، وبرغم تطبيق برنامج تكافل وكرامة المصاحب له.
    ولعل السبب الرئيسي للتناقض الحادث بين زيادة الإنفاق الاجتماعي وزيادة معدلات الفقر، يرجع لوجود ما يمكن تسميه “ماكينات صناعة الفقر” في مصر، تلك الماكينات التي توقع الملايين الجدد كل عام بين براثن العوز والجوع، وأهمها: ماكينة “تدني الأجور” التي تنتج ظاهرة العاملين الفقراء، الذين زادت نسبتهم من ٥١٪ من إجمالي العاملين إلى ٥٧٪ خلال الفترة ٢٠١٢-٢٠١٨، وكذلك ماكينة “الإقصاء الجغرافي” التي تؤدي لظاهرة فقر الريف وبالأخص ريف الوجه القبلي، وماكينة
    “قوانين سوق العمل” المجحفة، بالإضافة إلى “السياسات الزراعية” التي تعمق أزمة المزارعين8.

    إشكالية التمويل والاستدامة

    أطلق برنامج تكافل وكرامة ضمن التزام مصري ببرنامج دولي لتنمية رأس المال البشري، وهو برنامج لشبكات الأمان الاجتماعي أُطلِق في عام 2015 بدعم من برنامج للبنك الدولي يقارب النصف مليار دولار، على أن تتولى وزارة التضامن الاجتماعي تنفيذ برنامج تكافل وكرامة، لكن مع طرح العديد من الأسئلة حول المصادر الأخرى لتمويل البرنامج وإمكانية استدامته فإن الحكومة تبنت فكرة إنشاء صندوق لتمويله فى نوفمبر ٢٠٢٠. 9

    ووفقا لدراسة للبنك الدولي ذاته، ففي ٢٠٢١ كانت البلدان مرتفعة الدخل تنفق في المتوسط 1.9% من إجمالي ناتجها المحلي على برامج شبكات الحماية الاجتماعية، أمَّا البلدان النامية فتنفق 1.5% من إجمالي ناتجها المحلي، وتنفق بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 1.1%.

    ومن الجدير بالملاحظة؛ أنه ورغم الجهود الجارية لتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية في مصر، مازال إنفاق مصر في هذا المجال أقل كثيرا من المتوسط الإقليمي، وهناك حاجة لبحث إمكانيات تعزيز الجهود الجارية لتوسيع شبكات الحماية الاجتماعية بديلا عن البرامج المؤقتة والآنية. 10

    وأخيرا؛ يبدو أن اتباع الحكومة المصرية لبرنامج الإصلاح الهيكلي، وبالتزامن معه التحول من سياسة الدعم الشامل إلى اعتماد برامج للتحويلات النقدية المباشرة، لم يسفر حتى الآن عن تحقيق أيٍّ من أهدافه، بل على العكس تزداد المشكلات الهيكلية وتتزايد معها الفجوة التمويلية، ويتزايد معها الفقر، ويبدو أن ما اعتبر إصلاحا جريئا قصر الطريق فقط نحو الفقر والتضخم، ومن ثم يجب إعادة النظر في هذه الإصلاحات ذاتها، وربما العودة إلى بعض برامج الدعم الشامل مرة أخرى.

    المصـــــــادر:

    1- للاطلاع على تفاصيل البرنامج يمكن زيارة موقع  وزارة التضامن الاجتماعي، تكافل وكرامة، https://is.gd/WBAF5H

    2- البنك الدولي، تقرير رقم: PICASA 25411، بتاريخ 20 نوفمبر 2018 ، https://is.gd/lqRlUT

    3- البنك الدولي، قصة برنامج تكافل وكرامة للتحويلات النقدية، بتاريخ ١٥/١١/٢٠١٨، https://is.gd/odFX0i

    4- البنك الدولي، قصة برنامج تكافل وكرامة للتحويلات النقدية، بتاريخ ١٥/١١/٢٠١٨، https://is.gd/odFX0i

    5- الصفحة الرسمية لرئاسة مجلس الوزراء المصري، بتاريخ ٣ نوفمبر ٢٠٢٠، https://is.gd/C5AWyX

    6- البنك الدولي، بيانات الفقر والإنصاف، جمهورية مصر العربية،
    https://is.gd/Ek29Ci

    7- البنك الدولي، المؤشر العددي للفقر عند خط الفقر الوطني (% من السكان) – Egypt, Arab Rep.،  

    https://is.gd/z6PbFo

    8- سلمى حسين، ارتفع الإنفاق الاجتماعي فارتفع الفقر.. أين الخطأ الثاني؟ | المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، bit.ly/3AlPBnV 

    9- اليوم السابع، الحكومة توافق على إنشاء صندوق لتوفير التمويل المستدام لـ تكافل وكرامة، بتاريخ ٣/١١/٢٠٢٠، https://is.gd/H8dqOd

     10- البنك الدولي، حالة شبكات الأمان الاجتماعي ٢٠١٨، https://is.gd/lwQvve

أضف تعليقك
شارك