توسيع ميناء العريش والرفض المجتمعي لهدم المنازل

عادت للواجهة في عام 2023 مشكلة تهجير سكان المنطقة المحيطة بميناء العريش إثر شروع أجهزة الأمن في هدم نحو 1108 منزل، وهو ما أسفر عن وفاة ما لا يقل عن 17 مواطنا قهرا على هدم منازلهم.  فبعد القضاء على نفوذ الجماعات المسلحة في شمال سيناء بشكل شبه كامل، أصبحت قضية هدم المنازل هي القضية الأولى بالعريش منذ بداية عمليات الهدم تدريجيا في سبتمبر 2022 رغم احتجاجات ومناشدات الأهالي.

جذور المشكلة

بدأت المشكلة مع صدور قرار جمهوري في 2019 بإعادة تخصيص كافة الأراضي المحيطة بميناء العريش، اللازمة لأعمال تطوير الميناء لصالح القوات المسلحة، وهو ما طال مساحة شاسعة بلغت 371.46 فداناً.

رغم شكاوى الأهالي، فاجأهم السيسي بقرار جمهوري آخر في 25 أكتوبر 2021، بمقتضاه تم تخصيص 541.82 فدان لصالح القوات المسلحة حول ميناء العريش لتنفيذ عمليات تطوير الميناء، وهو ما يعني عمليا ابتلاع مشروع تطوير الميناء لساحل شرق العريش بالكامل.

تلك القرارات الجمهورية صدمت الأهالي الذين ظنوا أنهم سيستمتعون بأجواء الهدوء في العريش بعد انتهاء ضجيج الاشتباكات، لكنهم فوجئوا بأن منازلهم التي أقاموا فيها لعقود أصبحت في مهب الريح. وقد تدخلت نقابة المهندسين لتقديم مقترحات تكفل تطوير الميناء دون الحاجة إلى هدم بيوت المواطنين البالغ عددهم 21 ألف مواطن، لكن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة- المخولة بتنفيذ أعمال التطوير- رفضت مقترحات نقابة المهندسين.

موقف محافظ شمال سيناء

تحدث محافظ شمال سيناء اللواء محمد عبدالفضيل شوشة عن تقديره لقلق المواطنين في منطقة ميناء العريش لكنه أضاف أن المصلحة العليا للوطن والمواطنين تكمن في تطوير الميناء، كما صرح المحافظ للأهالي بأن القرار جاى من فوق. وفيما يخص التعويضات قال المحافظ أنه تم تشكيل لجنة عاينت منطقة الميناء، ووضعت أعلى الأسعار لتعويض المواطنين عن المباني والأراضي، لكن بمراجعة التعويضات المقدرة نكتشف أنها لا تغني أو تسمن من جوع إذ تبلغ:

  • ألف جنيه عن المتر المربع لصاحب الأرض المسجلة بالشهر العقاري.
  • 500 جنيه عن المتر المربع للشقة المسجلة بعقد ابتدائي أو عُرفي ويوجد رخصة للبناء عليها.
  • 250 جنيهًا للمتر المربع للأرض الفضاء المسجلة بعقد عرفي، ومساحتها أقل من 600 متر.
  • 200 جنيها للمتر المربع للأرض الفضاء المسجلة بعقد عرفي، ومساحتها بين 600 و4200 متر مربع.
  • 100 جنيها، للمتر المربع للأرض الفضاء المسجلة بعقد عرفي، ومساحتها أكثر من 4200 متر مربع.

أي أن صاحب الشقة المطلة على البحر والبالغة مساحتها 200 متر بعقد مسجل في الشهر العقاري سيحصل على 200 ألف جنيه فقط كتعويض، بينما محافظة شمال سيناء تبيع شققا شيدتها جنوب العريش على مساحة 100 متر مربع فقط بمبلغ 350 ألف جنيه.

الإجبار على المغادرة

في ظل ضغوط القوات المسلحة وتهديدات الهدم بالقوة الجبرية وقطع الكهرباء والمياه عن المنازل المتبقية بحي الريسة، اضطر عدد من المواطنين لإخلاء منازلهم دون أن يعثروا على بديل لائق حيث أقاموا لدى أقاربهم في محافظتي الإسماعيلية والشرقية. فيما لازال آخرون يعترضون على مخطط الإخلاء متسائلين لمصلحة من يحدث معهم هذا ويتم بيع البلد.

غضب الأهالي

على أرض الواقع، تغيّرت معاملة أهالي العريش وبالأخص في حي الريسة مع قوات اﻷمن حيث يرفضون استضافة القوات، أو تقديم مشروبات ساخنة قائلين: أنتم قادمون لتهجيرنا من بيوتنا وتطلبون مشروبات، بينما أثناء العملية الشاملة لتطهير المدينة من المسلحين، اعتاد الأهالي استضافة القوات وفتح الشقق الفارغة في العمارات ليبيتوا فيها، وتقديم المشروبات الساخنة والطعام للضباط والجنود.

وقد أشار عدد من الأهالي إلى أن إسرائيل تعاملت معهم وقت احتلالها لسيناء بصورة أفضل مما يعاملهم بها الجيش المصري حاليا، حيث عاش الأهالي بكرامة وقت الاحتلال دون هدم منازلهم. وهو ما يكشف حجم التمزق في النسيج المجتمعي والوطني الذي تتسبب فيه ممارسات أجهزة الدولة في شمال سيناء.

فتش عن المستفيد

خلال رحلة البحث عن المستفيد مما يحدث لأهل العريش من تشريد، وجدنا أن وزير النقل، كامل الوزير، وقع في 18 مارس 2023، عددًا من الاتفاقيات مع مجموعة موانئ أبوظبي شملت تخصيص محطة في ميناء العريش لمناولة الإسمنت لصالح المجموعة الإماراتية مقابل حق انتفاع لمدة 15 عامًا. وهو ما يشير إلى أن عملية الإخلاء لمحيط الميناء تتم تمهيدا لمنح حق استغلال المنطقة لصالح شركات خليجية.

أضف تعليقك
شارك