الخميس، الثامن من يونيو، وقع حادثٌ شديد مأساوي في مدينة الغردقة السياحيَّة، إذ فتكت سمكة قرش عملاقة بسائح روسيٍّ شابّ أمام أعين الكاميرات في غضون ثوان دون أن يتمكن أحد من إنقاذه.
منذ بثّ الفيديو، والأحاديث والمناقشات والتحليلات عن سبب الحادث وتداعياته وسبل تفاديه مستقبلاً لا تتوقَّف، ما حوَّل الواقعة إلى قضية رأي عام لا تهمُّ العاملين في السياحة فقط، وهم بالملايين، وإنما أيضًا الزائر المصري العادي الَّذي يخطط لقضاء عطلته الصيفية في أحد شواطئ البحر الأحمر.
قليلة ولكن
يؤكد مسؤولو السياحة المحليَّة في البحر الأحمر أنَّ تلك الحوادث نادرة، خاصةً تلك الّتي تتسبب في خسائر بشرية وإصابات؛ فخلال 13 عامًا مضت لم تشهد شواطئ البحر الأحمر حوادث مماثلة إلا نحو 3 مرَّات، كان أسوأها عام 2010، الذي سجلت فيه المراصد البيئية ووسائل الإعلام سلسلةً من هجمات القرش، تلتها تدابير وقائية لتجنُّب الإضرار بالزوار.
ولكنَّ المشكلة تكمن في أنَّ التسلسل الزمنيّ لتلك الحوادث قد يوحي بأنّ هناك تتابعاً وتكراراً مطرداً لها، فالحادث الذي سبق واقعة الشاب الروسي، كان قبل عام فقط، وتحديدًا في يوليو 2022 بمنطقة “سهل حشيش”، وقد نجم عنه وفيات بين السياح.
الأمر الثَّاني، أنَّ حادثة فتك القرش بالشاب الروسي فلاديمير يوري (23 عامًا) قبل أيَّام تصادف تصويرها وتناقلها على وسائل الإعلام التقليدية والافتراضية، وتحقيقها ملايين المشاهدات عالميًا، في وقت يعد ذروة الموسم السياحي الصيفي، لا سيما بين المصطافين القادمين من شرق أوروبَّا، بينما يحاول المسؤولون جذب العملة الصعبة إلى البلاد بأيِّ طريقة.
وفي الوقت ذاته، فإنَّ السياحة الروسية الّتي تعد أكبر موردٍ للعملة الصعبة في المناطق الشاطئية، بعد ما سجلت أعدادًا تناهز 3 مليون سائح في العام الواحد خلال 2014، تواجه أصلاً مشكلات ثقة على خلفية تداعيات واقعة تحطم الطائرة الروسية في شرم الشيخ 2015 الذي أسفر عن مقتل أكثر من 220 سائحًا روسيًا، والذي ترتب عليه فرض حظر طيران إلى مصر، لم يرفع إلا بدايةً من الموسم الصيفي 2021، أي قبل عامين فقط.
مؤشرات إهمال
يقول الخبير في البيئة البحريَّة والمسؤول البارز سابقًا في أحد المعاهد الحكومية المتخصصة لدراسة مياه البحر الأحمر، محمود عبد الراضي، إنَّ أسماك القرش عامةً، وسمكة قرش النمر التي يرجح التهامها الشاب الروسيَّ، لا تفضل أصلاً بحكم الخصائص الطبيعية الوجود في المياه الضحلة بالقرب من الشاطئ، وإنما تعيش في أعماق لا تقل عن 20 متراً، وقد تصل إلى 60 متراً.
ولكنَّ الراجح أنَّ تلك السمكة قد سبحت إلى هذا المكان غير البعيد عن الشاطئ لأسباب تتعلَّق بالبحث عن مكان آمن لوضع صغارها بالقرب من الشاطئ، أي أنها في الوقت الذي قامت خلاله بالهجوم على الشاب الروسي، كانت في مهمة بيولوجية لمسح المنطقة قبل الوضع.
ما يدفع الخبيرَ الأكاديميَّ في البيئة البحرية إلى ترجيح هذا السبب، دون غيره من الأسباب المطروحة، مثل جنوح القروش إلى الشاطئ طمعاً في وجبة من الماشية النافقة التي تلقيها سفن التجارة من السودان إلى السعودية، هو أنه تم تسجيل ظهور نفس السمكة قبل يومٍ واحد من الحادث، وهو ما كان يستوجب فرض الإجراءات الوقائية منذ رصدها.
يعزز رأي الخبير شهادةُ الصياد الذي قام بصيدها بعد الحادث، أحمد عباس، الذي قال لوسائل الإعلام إنَّ بطن القرش كانت مملوءة بالأجنَّة الصغيرة الّتي تستعدّ للخروج، كما أنه لوحظ أنَّ القرش بعد الحادث، لم تغادر المنطقة، وإنما ظلت تحوم في الأرجاء، بغرض التأكد من صلاحية المكان لوضع الصغار.
وبحسب راضي، فإنَّ موسم وضع الصغار من إناث قرش النمر بالقرب من الشاطئ أو في أقرب نقطة آمنة بالنسبة لها، يتقاطع مع موسم الصيف، وتحديدًا في الأشهر من مايو إلى أغسطس، وهو ما يعرفه المتخصصون، وفي هذا الوقت، قد تقترب السمكة الّتي اعتادت الحياة في المياه العميقة إلى المياه الضحلة حتى عمق 4 أمتار فقط، لذا كان لزامًا على المسؤولين تحذير النزلاء منذ الظهور الأول لها، تفاديًا للكارثة.
شاركنا رأيك: هل يعدّ اصطياد القرش وضربه على الشاطئ – كما رأينا – حلاً لتفادي هذه الهجمات مستقبلا؟