التوسع في هدم المقابر بالقاهرة

منذ يوليو 2020 بدأت الدولة ممثلة في الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وهيئة الطرق في هدم مقابر الغفير القريبة من طريق صلاح سالم بالقاهرة. وذلك من أجل إنشاء محور الفردوس كي يربط القاهرة القديمة بالقاهرة الجديدة. حظيت تلك الخطوة باعتراضات واسعة، نظرا لأن تنفيذها يتطلب هدم مقابر عدد كبير من الشخصيات البارزة مثل الأديب الراحل إحسان عبد القدوس.

التهرب من المسئولية

أخلت وزارة الآثار مسؤوليتها مبكرا من إزالة مقابر الغفير، لكنها شددت على أهمية تنفيذ محور الفردوس، كما زعمت عدم تأثيره على المواقع الأثرية الموجودة في قرافة المماليك. أما الجهاز القومي للتنسيق الحضاري المنوط به الحفاظ على التراث في مصر فقد فضل الصمت مكتفيا بالتصريح بأنه لم يؤخذ رأي لجنة التراث التابعة في تنفيذ المحور. أما محافظة القاهرة فقالت إنها لا تملك أي سلطة لتنفيذ القرار أو إيقافه.

تزايد غرام الحكومة بهدم المقابر خلال الفترة الأخيرة، ففي نهاية سنة 2021 بدأت عمليات الإزالة تنال مقابر البساتين بغرض إقامة محور ياسر رزق، وكان من ضمن المقابر المهددة مقبرة طه حسين مما أثار جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي في سبتمبر عام 2022 مما دفع أحفاده للتهديد بنقل رفاته خارج مصر، فسارعت الهيئة الهندسية لتأجيل إزالة المقبرة مع استمرار تنفيذ المشروع، وظهرت الصورة في النهاية مشوشة حيث تم بناء كوبري فوق مقبرة طه حسين مباشرة.

كذلك أزالت الحكومة عددا كبيرا من المقابر والأحواش في مقابر الإمام الشافعي، بغرض تطوير محور متحف الحضارة، وهو ما تطلب في أبريل عام 2022 نقل مشهد آل طباطبا الأثر الإخشيدي الوحيد الباقي في القاهرة. فضلاً عن إزالة مقابر أخرى داخل أحواش السيدة نفيسة بالقاهرة، فيما تتعرض مقبرة الشيخ محمد رفعت حاليا لخطر الإزالة بعد إخطار حفيدته بقرار هدمها.

 
حق الميت بعد الوفاة

بناءً على شهادات عدد كبير من أصحاب المقابر والأحواش الموجودة في قرافات القاهرة، فلم ترسل لهم الحكومة أي خطابات رسمية بغرض نقل رفات ذويهم من المقابر، إنما قام بتلك الخطوة حراس المقابر بدافع إنساني بحت في ظل علاقة الود التي تربطهم بأهالي الأحواش. لذا انتابتهم حالة من حالات الذعر بخصوص رفاة ذويهم وسارعوا إلى نقلها بشكل اضطراري ولو إلى أماكن غير مناسبة.

في الآونة الأخيرة بدأت محافظة القاهرة بإخبار الأهالي على نطاق ضيق بقرارات الهدم وبضرورة النقل، كما عوضت بعضهم بمقابر أخرى في مدينة 15 مايو، لكن الشكوى لا زالت مستمرة حيث تم استبدال الأحواش الكبيرة بأحواش أخرى صغيرة لا تتناسب مع الأعداد الكبيرة من الجثامين المدفونة من قبل.


حق الأحياء الضائع

في قرافة الإمام الشافعي والبساتين ومقابر الغفير ومقابر السيدة نفيسة، تعيش مئات الأسر فيما يسمى بالأحواش، وهي مكونة من غرف سكنية بالإضافة إلى غرف الترب التي يُدفن فيها أصحاب الحوش. يعيش سكان المقابر على المرتب الشهري الذي يكفله لهم أصحاب تلك الأحواش مقابل رعاية الحوش ودفن ذويهم عند الموت. ومع اقتراب بلدوزرات الهدم أصبح بعضهم بلا مأوى، بينما حصل آخرون على تعويض من الدولة في مناطق سكنية بعيدة عن نطاق المدينة بما لا يتوافق مع طبيعة عملهم القديم المتوارث.


تبديد التراث

أغلب المقابر المهدمة مؤخرا تعود إلى الفترة بين القرنين التاسع عشر والعشرين، وبُنيت وفق نمط معماري وعمراني مميز معبر عن العمارة الإسلامية في مصر في الفترتين الخديوية والملكية. كما تحمل تلك المقابر قيمة فنية عالية تتجلى في شواهد القبور التي تمثل تحفا فنية مهمة تؤرخ لشخصيات سياسية واجتماعية مرموقة عاشت في مصر.

لا تخضع الأحواش والمقابر المذكورة لقانون حماية الآثار بسبب كونها غير مسجلة، لكنها تخضع لقانون حماية التراث التابع لليونسكو باعتبارها جزءا من القاهرة التاريخية، وهو ما أثار حفيظة اليونسكو الذي أصدر بيانات عديدة دعت إلى الحفاظ على هذا التراث المعماري الهام. ولم تعر الحكومة المصرية تلك البيانات أي اهتمام حتى الآن، وتعاملت مع تلك المقابر التاريخية كعائق طريق يعرقل تنفيذ مشاريع الطرق الجديدة والمقابر.

شاركنا رأيك بخصوص توسع الحكومة في هدم المقابر التاريخية.

 

 

 

أضف تعليقك
شارك