من 12 جنيهًا إلى 20 جنيهًا فما فوق حسب الجودة ومكان البيع، وصل سعر البصل، أحد أبرز المنتجات الزراعية المحلية، التي تعد مكونا ثقافيا على مائدة المصريين، ويدخل في صنع وإعداد كل الأكلات الشهيَّة من طبق الفول مع وجبة الإفطار إلى الوجبات الساخنة المسبكة بالبصل والطماطم.. فكيف قفز سعر منتج طالما تراوح سعره بين جنيه واحد وجنيهين إلى أن وصل إلى سعره الأعلى في التاريخ، وبات أغلى من الفاكهة كما يقول الخبراء الاقتصاديون؟
طلب يتجاوز العرض
المعادلة الأشهر لوصف وتفسير حركة الأسعار في الأسواق، هي معادلة العرض والطلب. بالنسبة للبصل، فهو منتج ثقافي شعبي لا مجرد محصول زراعي، ومن ثمَّ فإن الطلب المنزلي والتجاري عليه لا يكاد يتوقف تقريبًا طوال العام.
زراعيًا، يعدُّ محصول البصل متوافرا في مصر، فهو لا يخضع لقيود ومحاذير مائية لزراعته مثل الأرز شره الاستهلاك للمياه، والذي قلصت الحكومة مساحات زراعته إلى حوالي 750 ألف فدان فقط على امتداد البلد، كما أنّ البصل معروف من القدم بالنسبة للفلاح المصري، والطلب من المستهلك عليه موجود دائمًا. فأين المشكلة؟
تزرع مصر في المتوسط بين 180 إلى 200 ألف فدان من البصل سنويًا لإنتاج ما يتراوح بين 2.5 مليون إلى 3 مليون طن من البصل.
شهد العام الجاري تراجعًا كبيرًا في مساحات الأرض المزروعة بالبصل، والَّذي أدّى بدوره إلى تراجع الإنتاج والمعروض، وفي ظل الطلب الكبير بات ارتفاع السعر حتميا، وهو ما يشرحه أحمد قورة رئيس شركة الأندلسية للحاصلات الزراعية في تصريح لافت لـ“إيكونومي بلس” يقول فيه:
“الفلاح لما بيخسر في زرعة بيتركها، والبصل خسائره كانت كبيرة جدا الموسم الماضي، لذلك المساحات المزروعة به الموسم الحالي ضعيفة جداً، وتكاد لا تمثل 50% من مساحات الموسم السابق”.
هنا، يحمِّل حسين أبو صدام نقيب الفلاحين وزارة الزراعة المسؤولية عن عدم الاضطلاع بدورها الرئيس في التواصل مع الفلاحين وتوجيههم علميًا عبر الدراسات والإحصائيات للتوقعات الداخلية والخارجية في الطلب على البصل، والنتيجة أنها تتركهم لتقديراتهم التي كثيرًا ما تجلب لهم خسائر حال انخفاض الطلب والتصدير مقابل زيادة المعروض، أو خسائر للمستهلك حال انخفاض المعروض.
“الأسواق الخارجية”
إذًا، هناك انخفاض في المعروض محليًا، نتيجة انخفاض المزروع بسبب الخسائر المتراكمة على الفلاحين، والناتجة عن ضعف الإرشاد الزراعي، وبالكاد يغطي المعروض قدرًا من الطلب المحلي، مع ارتفاع شديد في السعر لا يقل عن 10 جنيهات للكيلو، بما يعني موسمًا شديد السوء على المستهلك الذي يعاني في كل البنود الأخرى تقريبا، فماذا تفعل الحكومة؟
عمقت الحكومة من أزمة الطلب في السوق المحلي بفتح الباب أمام تصدير البصل المصري الشحيح هذا العام إلى الخارج لتغطية الطلب الدولي المتزايد بعد تراجع الإنتاج العالمي في مراكز زراعة البصل، بسبب عوامل طبيعية مثل الفيضانات التي ضربت الهند وباكستان، والحرب الروسية الأوكرانية.
وبحسب أيمن الشافعي، مالك محطة لتجميع بصل في الصعيد، في حديث صحافيّ، فإنَّ الفلاحين حصدوا البصل قبل نضوجه للحاق بركب التصدير، ووفقا لمدحت زكي أحد المصدرين، فإنَّ البصل المصري لم يعد موجودا في الأسواق التقليدية مثل الخليج وباكستان والفلبين فقط، وإنما وصل إلى إسرائيل وبولندا وألمانيا!
وضع غير مطمئن
هكذا باتت المعادلة: بصل شحيح غالي في السوق المحلي، ومعظم الإنتاج يذهب للخارج بما يحقق بعضا من الربح للفلاحين، ولكن يحذر الخبراء من أن تكون المواسم القادمة محملة بالخسائر للفلاحين، فمع كل انتعاشة تصديرية، وفي ظل غياب دور الزراعة الإرشادي، يقبل الفلاحون على التوسع في الزراعة مما يغرق السوق المحلية، وينتهي بالفلاحين إلى إطعامه للماشية بسبب عدم وجود سياسات تنظيمية واضحة للزراعة، توازن بين مكاسب جميع الأطراف وتعتمد على الأدوات العلمية.
لذلك، ينعى الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام، على ضوء أزمة البصل، السياسات العامة فيقول (إن هناك انشغالا بأمور لا تمثل أولوية مثل الاقتراض وبناء العقارات على حساب قضايا حيوية مثل دعم استقرار الأسواق وتلبية احتياجات المواطن من الغذاء).
شاركنا تجربتك: بكم تشتري البصل في منطقتك؟