على مدى عقود، وبعد تحول مصر إلى السوق المفتوح، وتغيُّر عادات الزواج، أصبح التقسيط في حياة المصريين مقصورًا غالبا على شراء السلع المعمرة التي صارت أساسية لكل بيت جديد وليست رفاهية. ومع صعوبة شرائها “كاش” شاع تقسيطها على مدد متفاوتة كنوعٍ من التكافل الاجتماعي ومحاربة الركود. إذًا فالتقسيط حتى سنوات مضت كان قرينا للأساسيَّات التي لا يمكن شراؤها مرة واحدة بالمال السائل، ولتسهيل الحياة مثل شراء البيت والسيارة والأجهزة المعمرة.
لكنَّ تلك المعادلة أخذت تتغير منذ التعويم الأول للجنيه المصري في عام 2016 تقريبًا. فمن جهة صار هناك تزايد ملحوظ للكيانات التي تسهل التقسيط، ومن جهة أخرى في نفس الوقت صار هناك تأكل متواصل في قيمة العملة المحلية وتآكل للقيمة وارتفاع في الأسعار مع زيادات طفيفة في “القيمة الإسمية” للأجور، ما أدَّى إلى لجوء شرائح من المصريين إلى شراء احتياجاتهم العادية كالطعام والدواء والكتب، بالتقسيط!
معرض الكتاب
لمواجهة الركود المتوقع في عمليات الشراء الحقيقية للكتب، استحدث اتحاد الناشرين المصريين بالتعاون مع أحد البنوك الوطنية نظاما لتقسيط شراء الكتب يقوم على تسهيل الشراء ببطاقة المشتريات الخاصة بالبنك، من خلال ماكينات قدمها البنك إلى دور النشر، على أن تدخل الأموال في حساب الدار مباشرة، ويستفيد البنك بعمولة 1.5%، ويقضي القارئ مددًا تصل إلى عام في سداد قيمة المشتريات بالتقسيط، فيما يعرف ظاهرًا بالتقسيط بدون فوائد، الذي يقول خبراء ماليُّون إن الفوائد تكون مضمنة خلاله في ظل زيادته عن قيمته الحقيقية.
أرقام الحضور في معرض الكتاب مبشرة، حيث تخطى عدد الزائرين وفق إسلام بيومي مدير المعرض 1.2 مليون شخص خلال أول 5 أيام من بداية المعرض في 26 يناير، كما قدمت المحافظات الكبرى بالتعاون مع وزارة النقل تسهيلات لانتقال المواطنين من وإلى المعرض الذي كان سعر تذكرته في المتناول، بقيمة 5 جنيهات فقط.
ولكن وفق البيانات عن المبيعات، فإن هناك تراجعا كبيرا في عملية الشراء، أدى إلى استحداث فكرة التقسيط لأول مرة في تاريخ المعرض، فمن جهة القراء، يقول سليم صلاح، محاسب وزائر منتظم للمعرض، (بحثت في أسعار الكتب التي صدرت حديثا وكنت أنوي شراءها، لكني فوجئت بأسعار خيالية، كتاب واحد منها ثمنه 270 جنيها، بينما كان يتراوح سعره المعتاد من 70 جنيهًا إلى 120 جنيها. ما أريده يحتاج إلى ميزانية قد تصل آلاف الجنيهات، وأنا ميزانيتي لا تتجاوز ألف جنيه في ظل الظروف الحالية لأن للحياة أولويات. أخطط لأكثر من جولة في المعرض قبل حسم قرار الشراء. ولا أعرف هل ستسمح الميزانية لشراء كتب التلوين والقصص للأبناء أم لا).
تشير الأرقام إلى انخفاض ملحوظ في أعداد الدور المشاركة في المعرض، حيث بلغ العدد النهائي لدور النشر المشاركة في المعرض الأخير 1047 دارًا، بينما بلغ العدد في عام 2000 أكثر من 1700 دار نشر.
من جانب دور النشر، يتحدث المسؤولون فيها عن زيادة 3 أضعاف في أسعار الورق حيث بلغ سعر الطن 60 ألف جنيه تقريبا، إضافة إلى ارتفاع أسعار التشغيل وتأجير المساحات، فقد وصل سعر إيجار المتر إلى 1260 جنيها، على ألا تقل مساحة الجناح الواحد عن 9 أمتار، ما أدّى إلى غياب دور كبيرة عن المشاركة مثل دار “ميريت” التي تغيب لأول مرة منذ 25 عاما، وتقليل الدور للكتب الجديدة، وعزو بيع بعض الإصدارات لدور أكبر وصولا إلى تحميل الزيادة للمستهلك الأخير الذي اضطر إلى التقسيط!
“مرض التقسيط”
يقول الخبراء إنّ التقسيط صار مرضا في الاقتصاد المصري، وما لجوء المواطن إلى تقسيط سلع بسيطة مثل الطعام والكتب إلا عرض لهذا المرض؛ فالحكومة تستدين من البنوك والخارج، والشركات تستدين، والمواطن يستدين، في دائرة تمويلية مفرغة قائمة على الاستهلاك والفوائد والترحيل.
وبحسب رصد صحافي نهاية يونيو 2022، فإن “ڤاليو” (شركة تسهيل الحصول على قروض) صارت نموذجا يعبر عن تفاقم “التمويل الاستهلاكي” في حياة المصريين، إلى درجة وصول اقتصاد الشركات غير البنكية العاملة في هذا الصدد إلى 70 مليار جنيه، وانضمام أكثر من مليون عميل جديد في الشهور العشرة الأولى من 2021، مما يعكس تردي الحالة الاقتصادية للمواطنين المصريين.
شاركنا تجربتك: هل تقوم بشراء سلع بالتقسيط؟ ولو كنت تفعل فما أبرزها؟