الولع بالصناديق: كيان جديد لإدارة الأموال المصادرة من عهد عبد الناصر إلى الآن

بدأت الصناديق الخاصة لأول مرة في جسد الدولة المصرية رسميًا في عهد عبد الناصر بصندوق بسيط يتولَّى ملف “النظافة” محليًا، وتوسَّعت في حقبة مبارك إلى أن وصفها المستشار هشام جنينة بأنها أصبحت بابا خلفيا للفساد وتبديدا لأموال الدولة بأسوأ طريقة ممكنة، حيث وصل عددها على الأقل إلى نحو 2000 صندوق للوزارات والجامعات والمحافظات برأس مال يتجاوز 30 مليار جنيه.

رغم كونها محلَّ انتقاد شديد في عهد مبارك، نظرًا لفلسفتها التي تقوم على الاستقطاع من الأموال العامة لتوفير دخل جانبي بعيدًا عن أموال الميزانية، إضافة إلى كونها معفاة من الرسوم والضرائب؛ إلا أنها استشرت وزادت استفحالا خلال الأشهر القليلة الماضية.

ما الجديد؟

من المعروف في دولاب الدولة أنّ الأموال والأصول الّتي جرت مصادرتها في الحقبة الناصرية من حكام مصر السابقين من الإقطاعيين وأسرة محمد علي آلت قانونيا إلى كيانات معروفة تولت إدارتها، على رأسها: جهاز تصفية الحراسات، والإدارة المركزية لموارد وتعويضات الإصلاح الزراعي.

كما ذهبت الأصول التي صادرتها الدولة خلال السنوات العشر الأخيرة من جماعة الإخوان المسلمين ومؤيديها، والتي شملت مدارس ومستشفيات وجمعيات خيرية وحسابات بنكية خاصة وشركات تجارية، إلى كيان قضائي مستقل بموجب القانون الصادر في إبريل 2018، والذي يشير إلى لجنة قضائية مستقلة لتنظيم إجراءات التحفظ والحصر وإدارة أموال “الجماعات الإرهابية”، والتي تتكون من 7 قضاة من محاكم الاستئناف.

لكن في 10 يناير 2023، ناقشت لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب في جلسة سرية مُنعت وسائل الإعلام من تغطيتها، مشروع قانون مقدم من الحكومة يقضي بتأسيس جهاز جديد مستقل تؤول إليه أموال الجهات الثلاث السابقة سالفة الذكر، ويضطلع بالتصرف فيها بداية من الحصر وصولا إلى الشراكة مع كيانات أخرى من أبرزها صندوق مصر السيادي.

أين المشكلة؟

أولا: الصندوق الجديد سيتم تشكيله من لجنة يعينها رئيس الوزراء، وتتكون من عضوية وزراء وجهات حكومية إلى جانب 3 من ذوي الخبرة الاقتصادية لمدة 4 سنوات، يهدف المشروع إلى تجاوز الجهات الرقابية التقليدية، وتجاوز وزارة المالية لصالح عدد قليل من المسؤولين المعينين لإدارة الكيان الجديد.

يشار هنا إلى أنه في 2014 حاول قانونيون وماليُّون من الجهاز المركزي للمحاسبات التحقيق مع 7 مسؤولين كبار من وزارة الداخلية بتهم تبديد واختلاس 12 مليون دولار من أموال أحد الصناديق الخاصة التابعة للوزارة، ولكن جرى وقف التحقيقات وإجهاضها من المهد، نظرًا لحساسية الجهات المتهمة في القضية، حيث طُرد المحققون وسُرقت السجلات.

ثانيًا: إن وظيفة الكيان المقترح ستركز في ظل بيع الحكومة لحصص من الأصول المصرية على بيع الأراضي والعقارات الواعدة المملوكة للصندوق تحت ستار الاستثمار وتعظيم القيمة، مثلما يفعل الصندوق السيادي حاليا في الأصول المسندة إليه في وسط القاهرة، مثل مجمع التحرير، والمباني التاريخية للوزارات والمقرات الحكومية التي ستغادرها الوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة.

ثالثا: في حال تمرير القانون بشكل نهائي من مجلس النواب، سنكون إزاء تصاعد في وتيرة تأسيس الصناديق والكيانات السيادية الخاصة التي تتملص من الرقابة القانونية بحجة الأغراض الاستثمارية، ليزيد عدد تلك الصناديق في العهد الحالي عن 7 آلاف صندوق، وعلى رأسها:

  • صندوق تحيا مصر: 100 مليار جنيه.
  • صندوق مصر السيادي: 400 مليار جنيه.
  • صندوق الوقف الخيري: 2 مليار جنيه.

وقد دعمت رئاسة الجمهورية في الأسابيع الأخيرة – إضافة إلى الصندوق الذي يناقش مجلس النواب تأسيسه – صندوق آخر لهيئة قناة السويس بقوام مالي مقترح 100 مليار جنيه، وصندوق ذوي الهمم برأسمال مليار جنيه، وصولا إلى صندوق دعم الأسرة والزواج الذي يتردد أنه سيقتطع 30 ألف جنيه من كل مقبل على الزواج، بينما تقول الحكومة إن المبلغ المقتطع سيكون أقل من ذلك.

شاركنا رأيك: بخصوص انتشار ظاهرة الصناديق الخاصة في مصر.

أضف تعليقك
شارك