أحد الموضوعات الّتي اكتسبت زخمًا في مصر خلال السنوات الأخيرة، هي مدى قدرة الحكومة تكنولوجيًا على مراقبة حركة المجتمع، خاصة في العمران والطرق والبناء على الأراضي الزراعية، وذلك من أجل كبح المخالفات من المهد أيًا كان نوعها.
وفي المجمل، فإنّ موضوع تعزيز دور الدولة – أي دولة – في استخدام التكنولوجيا والأدوات الحديثة في مراقبة المجتمع يعد موضوعًا شائكًا عالميًا، إذ يعتبره المراقبون “سلاحًا ذا حدين” بين ضرورة قيام الدولة بدورها التنظيمي من جهة، وبين خطورة تغول الدولة باستخدام تلك الأدوات على حقوق المواطنين، لتحصيل الأموال، بأقل جهد ممكن، وتتبع المناوئين بسهولة!
مخالفات البناء جوًا
في 2020 ثار جدل حادّ في المجتمع المصري، بعد إعلان السيسي إعادة النظر في تقنين مخالفات البناء القديمة بأثرٍ رجعيٍّ، ضمن صيغة قانون التصالح الصادرة عام 2019، وذلك عقب إصدار قرار منع البناء لأول مرة على نطاق واسع في معظم أنحاء الجمهورية لمدة 6 أشهر تجدد دوريا، مما أثار موجة من الاحتجاجات في سبتمبر 2020، وأعقبها تراجع الحكومة في ذلك الملف عبر إقرار تسهيلات في السداد وتخفيض التسعير على متر المخالفات، وزيادة فترات السماح.
لكنَّ ما لفت النظر حينها، هو توسع الدولة في شراء واستيراد معدَّات جديدة، لا لهدم المخالفات فقط، وإنما أيضا لإحكام المراقبة جوًا عبر الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار التي ظهرت في خضمِّ كلمة مصطفى مدبولي رئيس الوزراء عن المخالفات في إحدى المناطق آنذاك.
في وقت لاحق، بدا أن الدولة استعانت بأداتي الجيش والتكنولوجيا، ممثلة في إدارة المساحة العسكرية ومنظومة المتغيرات المكانية، التي عملت جنبًا إلى جنب مع وزارة التخطيط في رصد المخالفات، وبحسب هالة السعيد وزيرة التخطيط، فخلال عامي 2018 – 2020، أنعشت حصيلة التصالح خزينة الدولة بـ 1.8 مليار جنيه.
ماذا عن المرور؟
باستخدام نفس الأداة، التكنولوجيا الحديثة فائقة الجودة باهظة الثمن المستوردة من الخارج، لتحقيق الرصد الفوري، دعمت إدارة المرور بوزارة الداخلية قدرات مراقبة الطرق بأدوات تتبع حديثة ضمن منظومة Intelligent Transport System والتي تتضمن الملصق الإلكترونيَّ المعمم إجباريًا على المركبات بدءًا من سبتمبر 2021، والرادارات الأوروبية المتحركة الجديدة، وتعديلات قانون المرور التي تعتمد على “نظام النقاط” في المخالفات.
استوردت الحكومة على وجه الخصوص منظومتيِّ رادار متحركة من فرنسا وألمانيا، يعرف الأول باسم ميستا، والثاني وهو الأحدث والأكفأ والأغلى ثمنًا في كلفة الاستيراد، ويأتي من ألمانيا ويستطيع التقاط صور بجودة 40 ميغا بيكسل ليلا، ومسح 8 حارات مرورية، وتصوير الطريق والسائق والمركبة لمسافات تصل إلى 300 متر.
مشكلات في التطبيق
لا شك في أنّ ضبط حركة المجتمع في تلك النطاقات غاية في الأهمية، ولكنَّ المشكلة الأبرز تتمثل في أن الحكومة في الوقت الذي تعزز فيه إمكاناتها لتحصيل الأموال بكل الطرق وبأفضل صورة وأسرع وسيلة، في السماح بالخدمة وعقاب مخالفي القوانين التي تسنها، مثل استخدام العدادات مسبقة الدفع في تحصيل قيمة خدمات المنازل، وأدوات المراقبة المالية مثل الفاتورة والإيصال الرقمي، وصولا إلى الرادارات الفائقة؛ فإنها تهدر كثيرًا من حقوق المواطن في السؤال عن عدالة تسعير الخدمة والتظلِّم بخصوص سوء استخدامها. ففي الأسابيع الأخيرة، أبدى مواطنون تزمُّرًا شديدا على مواقع التواصل من زيادة قيمة المخالفات المرورية القديمة دون إخطارهم، وصعوبة تسوية المخالفات في مكاتب المرور المميكنة بسبب عدم تأهيل الموظفين، والتفنن في خفض السرعات المقررة، دون تنبيهات واضحة، لتحصيل أكبر قدر ممكن من المخالفات.
في رأيك: هل توسع الدولة بمصر في استخدام التكنولوجيا أصبح نعمة أم نقمة للمواطن؟