أحد أبرز المعالم التي ميزت السياسة النقدية في مصر خلال الأعوام الثمانية الأخيرة، والتي كان يشار لها بالبنان لدورها في تخفيف العبء عن رجال الأعمال والمواطنين، هي: مبادرات دعم قطاعات بعينها من خلال النظام المصرفي بفوائد أقل كثيرًا من الفائدة المعتمدة رسميًا.
الفلسفة الكامنة وراء تلك السياسة تقوم على التوسع في استخدام إمكانات الجهاز المصرفي لإنقاذ قطاعات معينة من الانهيار مثل السياحة التي تتأثر سلبا بسهولة بأي اضطرابات داخلية وخارجية، وكذلك تشجيع القطاعات التي توليها الحكومة أولوية خاصة مثل الطاقة النظيفة والري الحديث.
الآلية التي عملت وفقها تلك المبادرات، هي أن تتنازل البنوك الوطنية المشاركة فيها عن جزء من هامش الربح الكبير التي تحققه من سياسة الإقراض التقليدية بالفوائد المتعارف عليها، وذلك بدعم من البنك المركزي، مقابل استمرار العمل في تلك القطاعات، بما يحافظ على توافر السيولة وحركة الإنتاج، من باب أنه من الأفضل أن يقرض البنك العميل قرضا ميسرا بفائدة أقل من الفائدة المقررة يتحملها البنك المركزي، بدلا عن الركود المتوقع جراء صعوبات الاقتراض بسعر فائدة ضخم.
فعلى سبيل المثال، أطلق البنك المركزي في عام 2019 برنامج تمويل لدعم مشروعات القطاع الخاص في القطاعات الصناعية والعقارية والزراعية بفائدة 8% بدلا من الفوائد الرسمية للبنوك البالغة 19%، مما لعب دور شريان حياة للعديد من شركات القطاع الخاص بحسب علي عيسى رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين.
ما الجديد؟
بشكل مفاجئ، أصدر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قرارا في 20 نوفمبر ينص على العدول عن طرح أي مبادرات جديدة، إلا بشروط مشددة، يظهر منها نية الحكومة وقف العمل بسياسة دعم الفائدة مستقبلا. أما المبادرات القائمة فعلا، وهي مربط الفرس، فلم تقل الحكومة صراحة إنها أوقفت العمل بها، وإنما قالت أن البنك المركزي سيرفع يده عنها، بحيث تؤول مسؤولية تعويض البنوك عن فوارق الفائدة إلى الجهات الحكومية، مثل الوزارات والصناديق التابعة لها. وهو ما فسره اقتصاديون بأنه استجابة لإملاءات صندوق النقد الدولي، الذي اشترط لمنح القرض الأخير البالغ 3 مليار دولار، تعويم الجنيه المصري، وإلغاء دور البنك المركزي في مبادرات دعم القطاع الخاص بفوائد ميسرة.
مبادرات عملاقة ستتوقف
أبرز المبادرات التمويلية التي ستتغير سياساتها بناء على القرار الأخير، هي مبادرة التمويل العقاري التي أعلنتها الحكومة في يوليو 2021، بوعاء تمويلي يصل إلى 100 مليار جنيه، وبفائدةٍ تبلغ 3% لمدة 30 عامًا، والتي منحت الشباب أملًا في الحصول على وحدة سكنية بتسهيلات غير مسبوقة.
هذا، بالإضافة إلى مبادرات دعم القطاع السياحي بفائدة 11%، ومبادرة إحلال السيارات القديمة بأخرى جديدة أقل تلويثا للبيئة بفائدة 3%، وصولاً إلى مبادرة دعم المشروعات الصناعية بفائدة 8%، والتي ساهمت مؤخرًا في إنقاذ مشروعات صناعية من مصير الإغلاق وتسريح العمالة.
ومن بين الآثار العاجلة لإحالة إدارة المبادرات المخفضة من البنك المركزي إلى الجهات الحكومية، هي رفع قيمة الفائدة بمعدلات تصل 2% مبدئيًا، وتقليل الوعاء التمويلي المقترح في البداية لدعم كل مبادرة على حدة إلى الثلث في بعض المبادرات.
الصناع الأكثر تضررًا
رغم تضرر شرائح واسعة من ذلك القرار المخيِّب للآمال، فإن صوت الصناع هو الأكثر ضجيجًا، وذلك لأن الحكومة وفقا لتصريحاتهم قد تخلت عنهم في منتصف الطريق. فالقطاع الصناعي المصري يواجه أصلا تحديات كبيرة وفق مجد الدين المنزلاوي رئيس لجنة الصناعة والبحث العلمي بجمعية رجال الأعمال، بداية من كورونا، إلى الحرب الروسية الأوكرانية (فبراير 2022) وصولا إلى التعويم الثاني للجنيه ومشاكل توفير الخامات وسلاسل الإمداد وزيادة تكاليف الإنتاج.
كما سبق أن وفق أصحاب الأعمال أوضاعهم من عقود ومناقصات وتوريدات، على أساس هامش تمويلي بـ 8% وفقا للمبادرة الخاصة بهم، ولكن بعد رفع الغطاء عن أسعار الفائدة فلن يكون أمامهم إلا خياران كلاهما مر، وفق ما أوضحه يحيى عفيفي عضو غرفة الصناعة في اتحاد الصناعات:
“إما رد التسهيلات لعدم قدرة النشاط على استيعاب تضاعف قيمة الفائدة، وتقليص الإنتاج للنصف لعدم توافر السيولة، وتكبُّد خسائر بسبب ضعف الإنتاج وارتفاع التكاليف الثابتة، أو الاقتراض بفائدة تتراوح بين 16- 18%، وهو ما يعني أيضا زيادة التكاليف وتحميلها للمستهلك النهائي، وتحمل المزيد من الكساد وضعف الشراء”.
شاركنا رأيك: هل سيساهم ذلك القرار المفاجئ في الحد من التضخم فعلا كما تقول الحكومة أم أن سلبياته أكثر من إيجابياته؟