في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية في مصر بشكل غير مسبوق، وعجز الحكومة عن توفير أموال تغطي عجز الموازنة، اتجهت إلى تعويض ذلك من جيوب المواطنين بمختلف فئاتهم، فقررت مصلحة الضرائب إلزام أصحاب المهن الحرة مثل الأطباء، والمحامين، والفنانين، والمحاسبين القانونيين، والمهندسين والاستشاريين، بالتسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية، في موعد أقصاه 15 ديسمبر الجاري، مع التهديد بفرض غرامات تتراوح بين 20 ألف إلى 100 ألف جنيه على من يتخلف عن التسجيل.
لكن حدثت اعتراضات من النقابات وبالأخص نقابة المحامين حيث نظم المحاميون عددا من الوقفات الاحتجاجية كما هددوا بالإضراب عن العمل، مما دفع الحكومة للتراجع ومد فترة التسجيل حتى 30 أبريل 2023، كما وجهت دعوة للنقابات للحوار بهدف التوصل لحلول للأزمة.
عين الحكومة على فلوس المواطنين
في لقاء للسيسي عام 2016 تحدث عن أموال المواطنين قائلاً “أنا عايز الفلوس دي.. إزاي، معرفش”، وفي لقاء آخر قال “المصريين معاهم فلوس كتير”، ومن وقتها تعمل الحكومة على جمع هذه الأموال بكل الطرق الممكنة، وبالأخص عبر فرض قوانين جديدة مثل قانون التصالح على المباني، وزيادة الرسوم على رخص القيادة واستخراج الأوراق الثبوتية وغيرها.
وبحسب تقدير وزير المالية ففي حال تطبيق نظام الفاتورة الإلكترونية سوف تتضاعف الإيرادات الضريبية بمبلغ يتراوح من مليار إلى 2 مليار جنيه، بحجة أن النظام الجديد سيقضي على التلاعب بالفواتير وحالات التهرب الضريبي، وسيحاصرالاقتصاد غير الرسمي الذي يمثل حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي المصري.
لماذا كل هذه الضجة ؟
حاولت وزارة المالية إغراء المواطنيين بأنَّ التسجيل في الفاتورة الإلكترونية متاح مجانًا، على عكس حقيقة الأمر إذ ظهر أن التسجيل يتطلب الحصول على التوقيع الإلكتروني للأفراد أو الختم الإلكتروني للشركات مقابل اشتراك سنوي قيمته 2000 جنيه، ورسوم عمل تكويد للسلع والخدمات المقدمة تبلغ نحو 3 آلاف جنيه على أقل تقدير، كما يتعين على أصحاب المهن الحرة شراء نظام نقاط البيع للحصول على الإيصال الإلكتروني عبر شراء ماكينة دفع بالفيزا، مع العلم أن أسعار الجهاز والبرنامج تبدأ من 6 آلاف جنيه، وتصل إلى 44 ألف جنيه، بينما تحتاج البرامج إلى تحديث سنويًا بمقابل مادي، وذلك ليستطيع الطبيب أو المحامي استخراج وصل عن كل خدمة يقدمها للعميل تحت إشراف مصلحة الضرائب.
تلك الاشتراطات المعقدة عبر عنها النائب البرلماني ضياء الدين داوود، قائلاً إن “افتعال الأزمات مع فئات المجتمع المختلفة أصبح صناعة حكومية بامتياز “، وفي هذا السياق تقدم عدد من النواب بطلب إحاطة لعدم مشروعية إخضاع مهنة المحاماة للفاتورة الإلكترونية.
تحدي للحكومة
لم تقتصر إجراءات النقابات المهنية على الاحتجاجات فقط، فقبل أن تتراجع الحكومة وتمد فترة التسجيل، أقر اجتماع مجلس النقابة العامة للمحامين عدة مطالب من أبرزها: رفض التسجيل بالفاتورة الإلكترونية، وإلغاء الفترة المحددة للتسجيل، واعتبار النقابة العامة والنقابات الفرعية في حالة انعقاد كامل حتى انتهاء الأزمة، ثم انضمت نقابات الأطباء وأطباء الاسنان والمهندسين ورفعت دعاوى قضائية ضد وزارة المالية ومصلحة الضرائب، وأعلنت أن أعضائها غير ملزمين بالتسجيل، مما أجبر الحكومة على التراجع حتى تصل إلى حل مع النقابات.
الحجة الأساسية للنقابات الرافضة لتسجيل أعضائها بالفاتورة الإلكترونية، هي أنهم لايبيعون سلعة تجارية ولا يتعاملون بنشاط تجاري حتي تُطَبَق عليهم هذه المنظومة، كما هذه المهن تخضع بالفعل لضرائب ورسوم تسددها بأشكال متنوعة لخزينة الدولة، ولكن اللافت أن المستفيد الأكبر من التسجيل في المنظومة ليس مصلحة الضرائب ولكن الشركات التي ستقدم خدمات التوقيع الإلكتروني مقابل أموال باهظة سنويًا، لن تحصل مصلحة الضرائب منها سوى على 10% فقط.
برأيك، متي ستتوقف الحكومة عن سياسة حلب أموال المواطنين؟ وهل ستحل فعلا الأزمة مع النقابات أم أن التأجيل يهدف لامتصاص غضب المتضررين من القرار؟