اختراع الفشل: تبطين الترع نموذجا

يعلم الباحثون المهتمون بالشأن الزراعي، أن تدشين مشروع قومي لتبطين 40 ألف كم من الترع في الوادي والدلتا لم يكن مطروحا على أجندة وزارتي الزراعة والري في مصر من قبل، إذ دائما ما انصب الاهتمام الحكومي والإعلامي على موضوعات أهم وأكثر فاعلية مثل: الري بالتنقيط، وتعظيم إنتاجية المحاصيل بأقل قدر من المتطلبات الزراعية والاقتصادية، وتشجيع الفلاح باعتماد تَّسعير مناسب.

ولكن قبل سنوات قليلة، بداية من 2019، تم إطلاق عدة مشروعات من العدم، عبر مؤسسة الرئاسة، على رأسها مشروع “حياة كريمة” لتحديث الريف المصري كاملا بتكلفة تصل إلى تريليون جنيه بعد انخفاض سعر الجنيه، وتبطين الترع بتكلفة مبدئية 50 مليار جنيه.

قالت الرئاسة وقتها إنّ الدولة بات لها توجه جديد للإنفاق السخي على مشروعات المياه بمليارات الجنيهات، لإثبات أنّ الدولة المصرية تستخدم المياه الموجودة لديها بكفاءة، بما يساعدها في إدارة ملف سد النهضة دبلوماسيا أمام المجتمع الدولي، وشملت تلك المشروعات التوسع في تحلية مياه البحر، ومعالجة مياه الصرف بالمعالجة الثلاثية، وصولا إلى تبطين الترع، مما سيوفر 5 مليار متر مكعب من المياه المهدورة سنويا في مصر.

“تجاهل الانتقادات”

في مواجهة الدعاية الحكومية الهائلة للمشروع، الذي قالت الرئاسة إن تكلفته قد تصل إلى 90 مليار جنيه، قالت بعض الأصوات إن هذه المبالغ ستهدرُ في الأرض، وإن المشروع ضعيف الجدوى من الناحية الفنية.

أبرز هذه الأصوات كان الأكاديمي المعروف بخبرته في ملف المياه عباس شراقي، حيث أشار إلى أنّ “معدل الفقد في التربة الطينية الموجودة في الدلتا والوادي قليل، ولا يحتاج إلى تبطين صناعي، وأن التبطين قد يكون ذا جدوى في التربة الرملية، كما في توشكى مثلا، حيث تم تأهيل 200 قناة في المناطق الصحراوية لجدوى التبطين فيها”.

وقد استنكر شراقي إهمال الدوائر الحكومية لبحث رفيع المستوى أعدته أكاديمية مصرية تدعى نهاد شريدح يقوم على تبطين الترع لتقليل الفاقد كليا تقريبا بتكلفة أقل من التبطين الخرساني المعمول به، حيث يتم استيراد بكتيريا معينة من ألمانيا تدعى (سبورو سارسينسا) وخلطها بقليل من الرمل والجير والطين، لتنتج البكتيريا مادة طبيعية من كربونات الكالسيوم، تؤدي إلى تحقيق المطلوب من التبطين وهو: تحسين وصول المياه إلى الأراضي، وحماية جوانب الترعة من الانهيار.

في نفس السياق، أشار مهندسون متخصصون إلى أضرار نموذج التبطين المقترح حكوميًا بالخرسانة، والذي يؤدي إلى تقطيع الأشجار المحيطة بالترع وتقليل مخزون المياه الجوفية والتأثير على عملية تنظيف التربة عضويا، مقترحين استخدام “رقائق البولي إثيلين” بدلا من الخرسانة.

“العناد الحكومي”

بعد 3 أعوام من المضي قدما في مشروع التبطين الخرساني، ودفع مئات الملايين للمقاولين في القرى والنجوع، وفي غمرة الشروط الدولية بالتخفف من المشروعات ذات التكلفة العالية والمردود الضعيف، اعترف وزير الموارد المائية والري هاني سويلم أمام البرلمان في 17 يناير 2023 بأنّ “بعض مشروعات التبطين تمثل إهدارا للمال العام”.

وزاد الطين بلة تصريح المتحدث الرسمي باسم وزارة الري محمد غانم بأنّ مشروع تبطين الترع لم يستهدف منذ البداية “توفير المياه”، وإنما كان يستهدف فقط “حسن توزيعها” لأنه ليس هناك فاقد من الأصل، وأنه تم تبطين 660 كم من ضفاف الترع من بين 33 ألف كم، فهل يعقل التضحية بـ 90 مليار جنيه من أجل ذلك؟

تذكرنا تصريحات وزير الري والمتحدث باسم الوزارة، بحديث السيسي في المؤتمر الاقتصادي بالعاصمة الإدارية الجديدة نهاية العام الماضي عن فشل مشروع مدينة الأثاث في دمياط التي تكلف إنشاؤها أكثر من 3.5 مليار جنيه في تحقيق أهدافها بسبب عدم دراسة المشروع جيدا، رغم افتتاحه والاحتفاء به في عام 2019.

كما يذكرنا أيضاً بجهود وزارة النقل لتشجيع المواطنين على ارتياد القطار الكهربائي الذي تطلب إنشاؤه اقتراض 1.2 مليار دولار من أحد البنوك الصينية، لكن اقتصر ركاب إحدى رحلاته على 3 ركاب فقط، بسبب ارتفاع قيمة التذكرة التي تبلغ 35 جنيها.

شاركنا رأيك: لماذا تنفق الدولة أموالا ضخمة على مشروعات غير مدروسة جيدا؟

أضف تعليقك
شارك