يعاني العديد من أولياء الأمور في مصر من الإجبار على دفع تبرعات للمدارس الحكومية التي لجأوا إليها بالأساس لأنها مجانية، وذلك رغم تغاضيهم عن تدهور العملية التعليمية فيها مقابل تخفيف العبء الاقتصادي عنهم. فقد انتشرت ظاهرة طلب بعض مديري المدارس من الأهالي دفع مبالغ مالية أو شراء مستلزمات للمدارس بحجة ضرورة تجهيزها من خارج الموازنة الحكومية غير الكافية.
حجم التبرعات المطلوبة
رغم زيادة عدد المدارس الحكومية بنحو 486 مدرسة في العام الدراسي الأخير مقارنة بالعام السابق له إلا أن مفاجئة برزت في عدم تجهيز بعض تلك المدارس لاستقبال الطلاب. فإحدى أولياء الأمور تُدعى “ابتسام الهادي” كشفت أن إدارة مدرسة الشهيد “أحمد المنسي” بعد افتتاحها بشهر قدمت قائمة بطلبات للأهالي شملت كاميرات، وتبليط الأرض، ومراوح، ودواليب خشب.
لم يتوقف الأمر عند المدارس الجديدة إنما شمل مدارس قديمة أصبحت تطلب تبرعات لقبول نقل التلاميذ من مدرسة إلى أخرى بمبالغ تتجاوز 2000 جنيه. يروي ولي الأمر “سيد رشاد” أنه عند نقل ابنه التلميذ في الصف الأول الإعدادي إلى مدرسة في محافظة أخرى، طلبت منه المدرسة القديمة تبرعا بقيمة 3000 جنيه، وعند محاولته تقليل المبلغ قال له مدير المدرسة” :أنا بعمل صيانة في المدرسة تعالى حاسب الصنايعي مكاني”، وبعد المساومة انخفض المبلغ إلى 2500 جنيه. وتشتكي ولية الأمر “إيمان الشناوي” من اضطرارها رغم سوء وضعها المادي إلى دفع 400 جنيه شهريا كأجور عمال ونظافة وعاملات “دادات” وتوفير أدوات تنظيف وتطهير لأن ميزانية المدرسة قليلة لا تكفي لتغطية تلك الضروريات.
الحكومة تنفي
من جهتها تنفي وزارة التعليم صحة الأخبار عن جمع تبرعات سواء مالية أو عينية، وتقول إنها شددت على اتخاذ الإجراء القانوني اللازم ضد من يجمعون التبرعات، بينما الواقع يقول عكس ذلك، ولتبرير ذلك تقول “منى سمي” مديرة مدرسة ابتدائية بالجيزة أن التبرعات أو ما يُعرف تلطفا بالمشاركة المجتمعية عبارة عن إجراء طوعي مقنن رسميا، وتلجأ له المدارس لسد احتياجاتها.
نصيب التعليم في الموازنة
يبرر بعض المديرين اللجوء إلى جمع التبرعات بقلة الإنفاق الحكومي على قطاع التعليم وعدم تلبية متطلبات المدارس، فحصة التعليم في الموازنة أقل من الحد الأدنى الذي حدده الدستور، والبالغ 6% من إجمالي الناتج المحلي. وعند النظر للنسبة الفعلية نجد أنها أقل من نصف النسبة الدستورية، فبحسب موازنة 2021/ 2022 بلغت النسبة 2.42%، وفي حال مقارنة نصيب قطاع التعليم في الموازنة في الست سنوات الأخيرة نجد أن حصته تأخذ شكلا تنازليا حيث بلغت عام 2014/ 2015 نحو 4.4%، ثم انخفضت عام 2016/2017 إلى 2.9% واستمر الانخفاض وصولا إلى 2.42% للعام الأخير.
خديعة التعليم الحكومي المجاني
لم يعد التعليم الحكومي في مصر مجانيا إنما أصبح عبئا على أولياء الأمور الذين يُطالبون بتجهيز المدارس والمشاركة في أعمال الصيانة فضلا عن اضطرارهم للجوء إلى الدروس الخصوصية لتعويض الأبناء عن تدهور العملية التعليمية بالمدارس الحكومية، فبحسب تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لعام 2019/2020 بلغ إجمالي إنفاق الأسر المصرية على الدروس الخصوصية نحو 132 مليار جنيه سنويا. والعجيب أن الدولة تستطيع أن تنهي تلك المهزلة بتوفير أموال المشاريع غير المجدية التي تتكلف مليارات الجنيهات، وزيادة الإنفاق على قطاع التعليم، ولكنها لم تفعل ذلك حتى الآن رغم أهمية التعليم في النهوض بالمجتمعات ماديا وأخلاقيا.
شاركنا تجربتك بخصوص تعليم أولادك في المدارس الحكومية.