يجمع الخبراء التربويون تقريبا على أنّ المشكلات الرئيسة للتعليم في مصر هي: سوء حال المعلم ماديا، ونقص أعداد المعلمين، إضافة إلى زيادة الكثافات الطلابية، وهو الوضع الذي أدى – مع تفاقمه – إلى باقي المشكلات المعروفة مثل التعليم الموازي “الدروس الخصوصية” وضعف هيبة المعلم وعدم السيطرة على الفصول وتراجع الإقبال على المدارس، حيث وصل عجز المعلمين لنحو 320 ألف معلم.
وعليه، تكمن الخطوط العريضة لحل مشكلات التعليم في مصر، في تبني أطراف المنظومة، أولياء الأمور والطلاب والمعلمون، إجراءات جادة لمعالجة تلك المشكلات المزمنة، بتحسين أوضاع المعلمين وتجهيز مدارس جديدة.
ولكنّ الحل الذي فضله القائمون على هذا الملف، هو الالتفات إلى القضايا الأقل تأثيرا والأقل تكلفة والأكثر إرهاقاً للأهالي، عبر اختراع حلول لمشكلات غير موجودة، مثل التابلت والشرائح والإنترنت والمناهج الجديدة إضافة إلى التوسع غير المفهوم في تدريس اللغات الأجنبية.
لغات.. بلا هدف!
إحدى اللغات التي تبنى الوزير السابق طارق شوقي تدريسها لأول مرة في المدارس الحكومية المصرية، هي اللغة الصينية، وذلك بحلول مايو من العام الماضي، وهو ما برره شوقي حينها بأنّ البداية ستكون بالمرحلة الإعدادية، وبشكل اختياري، على أن تشمل المرحلة الأولى 10 مدارس لغات حكومية، ومدرسة تعليم فني ضمن خطة أشمل لإدماج الثقافة الصينية في المجتمع المصري، تم على إثرها افتتاح معهد “كونفوشيوس” لتعليم الصينية في جامعة القاهرة قبل أعوام.
لا يتعلق الأمر بتعليم اللغة الصينية على أنها لغة المستقبل، ولكن يبدو أنّ تلك القرارات لها حسابات مختلفة، ربما تتعلق بالنفوذ السياسي، إذ أن الوزارة، أعلنت أيضا تبنيها لغات أقل أهمية، بدأت الدول التي كانت خاضعة لنفوذها بالتخلص منها أصلا، مثل اللغة الفرنسية.
ففي فبراير 2021، اعتمد مجلس الوزراء قرارا جمهوريا أصدره السيسي ضمن التعاون مع الوكالة الفرنسية للتنمية لتعميم تدريس اللغة الفرنسية إجباريا على طلاب المرحلة الإعدادية، بداية من دفعة سبتمبر 2024، بحيث تصبح لغة أجنبية ثانية، إلى جانب اللغة الإنجليزية، وما يقتضيه ذلك من نجاح ورسوب، وهو ما سبق أن جهزه طارق شوقي في اجتماعات مع كبار الدبلوماسيين الفرنسيين “لتعزيز نشر الفرانكفونيّة” في مصر أكتوبر 2018.
بعد شهرين من هذا القرار، في أبريل 2021، أصدرت وزارة التربية والتعليم أيضاً بيانا تعلن فيه الشروع في تدريس اللغة “الهيروغليفية” للطلاب من المرحلة الابتدائية، في السنة الرابعة تحديدا، وحتى الصف الثاني الثانوي، تناغماً مع حالة النشوة الوطنية التي خلفها موكب نقل المومياوات الملكية في نفس الشهر من المتحف المصري إلى متحف الحضارة، وهو ما تراجعت عنه الوزارة لاحقا، وقالت إنها ستكتفي بتدريس الرموز الهيروغليفية فقط.
قرارات غير مفهومة
فيما يخص تدريس الفرنسية، فقد قال رضا مسعد أستاذ المناهج وطرق التدريس في جامعة دمياط إنّ المسؤولين الفرنسيين حاولوا مع وزراء التربية والتعليم السابقين مرارا، ولكن طلبهم كان يقابل بالرفض، خوفا من تأثير تداخل اللغات على إجادة العربية.
أما عن الفرعونية، فقد قال كمال مغيث، الخبير التربوي البارز، إنها لغة ميتة، ولا يوجد معلمين لتدريسها، فضلا عن وجود عجز في معلمي المواد الأساسية، وقد تتحول محاولات تدريسها لوصلات سخرية وتهكم من الطلاب، وهي نفس وجهة النظر التي قالها محمد عبد العزيز أستاذ التربية في جامعة عين شمس عن خطط تدريس الصينية، مشيرا إلى أنّ الصعود الصيني لا يعني بالضرورة تدريس تلك اللغة الصعبة والبعيدة جداً عن الثقافة العربية للطلاب، خاصة في ظل وجود مراكز لتدريسها لمن يريد في السفارة والمركز الثقافي الصيني.
في رأيك: هل يحتاج طلابنا لمزيد من اللغات الجديدة في المناهج المصرية؟