الشَّاي الأسود، بغض النظر عن طريقة إعداده، فالطرق تختلف من منطقة لأخرى ومن شخص لآخر، هو “أفيون” الغلابة في مصر. يشربه المصريُّ بعد الوجبات، وأيام الامتحانات، وفي القهوة وفي البيت وفي الحقل وخلال العمل، وحتَّى في المناسبات والزيارات.
تستورد مصر سنويًا نحو نصف مليون طن من الشاي من البلاد الأفريقية والآسيويَّة الواقعة في نطاق “المحيط الهندي”، مثل كينيا والهند وسريلانكا، بتكلفة قد تصل إلى 200 مليون دولار أمريكي، أي ما يتجاوز 6 مليار جنيه، بأسعار الجنيه الأخيرة.
وقد تابع الجميع مؤخرًا صدى أزمة نقص الدولار اللازم للاستيراد في مجال صناعة الشَّاي المحلية، حتى وصل الكيلو، من كيف المصريين الحلال، أكثر من 160 جنيهًا، بالنسبة لأنواع الشاي الأكثر رواجًا، والتي قد لا تكون بالضرورة الأفضل في الجودة، مثل شاي العروسة.
“تجربة واعدة”
وفقًا لتحقيقات صحفية ميدانية وتزامنا مع أزمة الشاي في مصر أكتوبر الماضي، والتي لا زالت آثارها موجودة إلى الآن، فقد كان هناك، مطلع الألفية، تجربة واعدة لزراعة الشَّاي محليًا في مصر لأول مرة؛ قبل أزمات الدولار والتعويم الّتي يكابد المصريون وقعها مؤخرًا، وتحديدًا عام 2002.
ما كان يعيق زراعة الشاي في مصر هي أسباب فنية تتعلق بالتربة والمناخ. فالمنطقة وطبيعة الأرض في البلاد المنتجة للشاي تجعل التربة “حامضيَّة”، وهي التربة المناسبة لزراعة الشاي، بينما التربة المصرية، على النقيض من متطلبات زراعة الشاي: قلويَّة، فما العمل؟
توصل أحد الباحثين في المركز القومي للبحوث، ويدعى مرتضى خاطر، إلى طريقة لزراعة الشاي في التربة المصرية، وهي معالجة التربة القلويَّة، بإجراءات معينة، لتصبح حامضية، كما استورد الشتلات المناسبة من الولايات المتحدة؛ مع العلم، أنه جرى اكتشاف لاحقًا أنَّ بعض سلالات الشاي يمكن زراعتها في التربة القلوية المصرية.
وبالفعل، نمت الشتلات في منطقة التجربة بمركز إبشواي في محافظة الفيوم، وتوسَّع الفلاحون الذين شاركوا المركز القومي للبحوث ووزارة الزراعة التجربة في مساحة الأرض المزروعة بالشاي، لتصل إلى 7 فدادين، مع شهادة المعامل المتخصصة بأنَّ الشاي المصريَّ الجديد أفضل من بعض الأنواع المستوردة بالعملة الصعبة من الخارج.
“إجهاض التجربة”
استطاعت بعض الدول البعيدة عن نطاق المناطق التاريخية المعروفة بزراعة الشاي استخدام طرق مماثلة لزراعته في مناطقها مثل تركيا وجورجيا في أوروبا والأرجنتين في جنوب أمريكا، ولكن ماذا عن مصر؟ هل زرعت الشاي بعد تلك النتائج المبشرة؟
يقول الفلاحون في التحقيق إنّ أوامر عليا مفاجأة صدرت بـ“اقتلاع” الأراضي المزروعة بالشاي وإجهاض التجربة، ولما حاولوا الاستفسار عن السبب، قيل لهم ما معناه إن هناك اتفاقيات اقتصادية تربط مصر والكيانات المستوردة بالدول والكيانات المصدرة، وأنه من المهم أن لا “نزعل حد مننا”.
وفي وقت لاحق بناءً على تلك التعليمات، صار الحديث عن إمكان زراعة الشاي في مصر ونتائج تلك التجربة “موضوع أمن قومي” يحظر على الباحثين الخوض فيه، ومن يتحدث عنه في الإعلام قد يعرض نفسه لعقوبات تؤثر على مساره الدراسي والمهنيِّ، لذلك صار الجميع يتحاشى الحديث عن الموضوع.
ووفقا للدكتور الذي أشرف على المشروع، فإن إجهاض تجربة زراعة الشاي محليا لم يكلف البلاد الفاتورة الاستيراديّة الدولاريَّة التي تذهب سنويًا لدعم الفلاح الأجنبي فقط، وإنما حرم الفلاح المصري أيضا من مكاسب ضخمة بسبب ارتفاع عوائد محصول الشاي حال زراعته في مصر؛ فالفدَّان الواحد – بحسب خاطر وفقا للأسعار الأخيرة – يتكلف 15 ألف جنيه تقريبًا، لينتج 2 طن من الشاي، يصل سعر الطن الواحد إلى 100 ألف جنيه للطن!
اللافت هنا أنَّ نفس النتائج التي توصل إليها التحقيق، أكد حقيقتها أكاديمي مصري، هو دكتور محمد فتحي سالم، أستاذ الزراعة في جامعة السادات، في حديثه مع إبراهيم عيسى على قناة “القاهرة والناس” قبل أيام، حيث كشف عن أن عددا من الفرق البحثية الجامعية المصرية توصلت إلى سلالات يمكنها مضاعفة إنتاجية عدد من المحاصيل المصرية، لكن يجري تجاهلها من مسؤولي وزارة الزراعة.
من وجهة نظرك: من المستفيد من محاولات إفشال الزراعات المحلية؟