لسدِّ العجز في اللحوم البلدية الحمراء، وتوفير بدائل بسعر أرخص، وتنويع المنتجات البروتينية للمستهلك، دأبت الحكومات المصرية على استيراد اللحوم المجمدة من الدول التي تمتلك فوائض تصديرية، لا سيما من الأمريكيتين، بما يصل إلى 300 ألف طن سنويا تقريبا.
لفهم “مسار” قطعة اللحم التي تأكلها كمستهلك مصري للحم المستورد من البرازيل مثلا؛ لا بد أن تتذكر أن هناك “حلقات وسيطة” بين المصدِّر الأجنبي والمستورد في مصر. وعلى رأس هذه الحلقات، السلطات البيطرية التابعة لوزارة الزراعة في الموانئ والمنافذ، والجهات المختصة المنوط بها التأكد من أن اللحوم المستوردة ليست صالحة وحسب من الناحية الطبية، وإنما أيضاً أنها حلال أي مذبوحة على الشريعة الإسلامية.
لعقود منذ أن بدأت مصر استيراد اللحوم المجمدة والمبردة من الخارج، تنوعت الشركات المسؤولة عن استصدار الشهادات الخاصة بكون تلك اللحوم “حلالا”، وهي الشركات الَّتي لا تعمل إلا باستيفاء المعايير الخاصة بوزارة الزراعة المصرية، وقد بلغت حوالي 7 شركات في الولايات المتحدة الأمريكية.
ما الذي تغير؟
بحلول منتصف 2019، أيِّ قبل 3 أعوام تقريبا، قطعت وزارة الزراعة المصرية علاقاتها التعاقدية مع كافة الشركات الخاصة الَّتي تصدر شهادات الحلال لصالح شركة جديدة واحدة، لا تعلم عنها الجهات المصدرة أو المستوردة شيئا، وهي مسجلة في الولايات المتحدة الأمريكية باسم الشركة الإسلامية.
بنهاية 2019، صارت تلك الشركة الجهة الوحيدة المعتمدة في العالم كله تقريبا من وزارة الزراعة المصرية لمنح أيِّ كيان مُصدِّر شهادة “الحلال” الّتي لا يمكن بدونها أن تدخل الشحنة للبلاد بشكل قانوني. وإلى هنا، قد يبدو الأمر مفهومًا رغم مؤشرات ريبته ، فذلك الكيان – لسبب ما غير معلوم بعد – نال ثقة وزارة الزراعة المصرية لمنح المصدرين، وحده دون غيره، شهادات الحلال.
أين المشكلة؟
المفاجئ أن الشركة أسسها مسيحي مصري من أقباط المهجر يدعى وائل حنا في ولاية نيوجيرسي الأمريكية 2017، وبدأت العمل في 2019، بلا أيِّ سابقة مهنية في ذلك المجال، ما أثار اندهاش كلِّ الكيانات المشاركة في سلاسل توريد اللحوم بما في ذلك تلك الموجودة في سفارات الدول المصدرة للحوم إلى مصر، والمسؤولة عن متابعة وتسهيل عمليات التبادل التجاري بين بلادها وبين مصر كمستورد للحوم.
سرعان ما طبقت الشركة الجديدة رسومًا جديدة باهظة لتمرير شهادات الحلال للمصدرين في الخارج، تتراوح ما بين 1500 – 5000 دولار أمريكي على كل حاوية، عوضا عن 200 دولار سابقا، ما أدَّى لقيام السلطات الأمريكية بالتنقيب خلف تلك الشركة المدعومة من الحكومة المصرية، والتي أدت لارتفاع أسعار اللحوم على كل من المصدر والمستورد، وحتى المستهلك المصري. وتبين أن شركة وائل حنا مرتبطة بشركة “ميدي تريد” المصرية التابعة لجهاز سيادي، والتي تستورد اللحوم من الخارج.
في نهاية أكتوبر 2022، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي يحقق مع طرفين، الأول هو وائل حنا، الذي يترجح أنه يعمل لحساب الحكومة المصرية دون إخطار السلطات الأمريكية، والثاني هو النائب في مجلس الشيوخ عن ولاية نيوجيرسي، والمتورط في اتهامات فساد سابقة، بوب مينينديز، لتسهيله تأسيس ومباشرة شركة حنا أعمالها، إضافة إلى حصوله على تمويل لحملته الانتخابية في نيوجيرسي من الأموال الَّتي تحصلت عليها شركة استصدار شهادات “الحلال” الجديدة.
شاركنا رأيك: هل تجد سلوك الحكومة في هذا الموضوع ينبع من مراعاتها لمصالح المواطنين؟